حمزه الحسن يكتب :من الخديعة الى الإستنزاف

احدى أفظع خصائص الحرب، أن كل الدعاية الحربية، كل الضجيج و الكذب والكراهية، تأتي دائماً من الأشخاص البعيدين عن القتال .” جورج أورويل.
الذين يعتقدون ان الحرب هي الهجوم المسلح فقط، هم الذين لا يعرفون الحرب، لم يحاربوا، ويجلسون في غرف آمنة وهادئة ويحللون الأحداث في جو من الأمان والهدوء.
الحرب ليست سقوط قنابل ، بل أخطر حالات الحرب هي فترة الانتظار، في هذه الفترة يقع العدو في شلل عام، اقتصادي ونفسي وعسكري وفزع عام وتوقعات ومستشفيات ميدان متنقلة واستدعاء الاحتياط وترك المصانع وغلق المطارات وارتفاع او انخفاض اسعار النفط والسلع وازمات عالمية وتحسب من خروج الحرب من كل ما هو متوقع،
من غير القلق والكآبة والصراعات الداخلية في صفوف العدو وخسائر لا تحصى وتداعيات نفسية والخ.
انتظار الحرب توقع الموت واليتم وانقطاع تسلسل الحياة ونظام الاشياء وانتظار المجهول من غير انشغال العالم بقضية كادت أن تُنسى.
ما يصدر من محطات التلفزة والصحف من تحليلات عن الرد القادم على اسرائيل ، من غير تحليلات الجمهور العام، هو توقعات وأحلام وتخمينات توضع في اطار معقلن كما لو أنها الحقائق في حين ان الحقائق في مكان آخر.
للمرة الأولى في تاريخها في عملية خداع استراتيجي شاركت فيه الولايات المتحدة في تضليل ايران عن تفاوض الأحد والهجوم بدأ الجمعة تقلب اسرائيل عقيدتها العسكرية في الضربة الاستباقية السرية وجعلتها الجمعة الماضي
الضربة الوقائية أو الهجوم الاجهاضي قبل الهجوم المضاد كما فعلت في حرب حزيران 1967 عندما تم تدمير المطارات المصرية في أقل من ساعة في هجوم استباقي قاتل أو كما في ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 وفي 2024 مع حزب الله وقادته وشبكة اتصالاته.
تكوين الجيش الاسرائيلي مؤسس على الحرب السريعة والضربة الوقائية لأنها لا تتحمل حرب استنزاف طويلة. لكن ماذا لو تمسكت ايران بخيار ” حرب الاستنزاف” في الفجر عدد من الصواريخ وفي الليل عدد مشابه بحيث الاسرائيلي ينظم ايقاع حياته على هذه المواعيد ويبرمج على صورة أخرى.
مسؤول كبير في جهاز الموساد قال:
” ان أسوأ كابوس يقع أن تتحول الحرب مع إيران الى إستنزاف”
ولإيران خبرة عريقة في حروب الاستنزاف كما في حرب العراق ــــ الثماني سنوات ــــ وكما في الوحل السعودي في اليمن مع الحوثيين، النصيحة الايرانية واضحة في الاستنزاف ــــ وكما في المقاومة الفلسطينية واللبنانية والخ.
ليس جديدا ان تقع القيادة العسكرية والسياسية في مصيدة بل مجزرة
والعقيدة العسكرية الايرانية تعمل وفق نظام ” لا مركزي ومؤسسات شبه مستقلة ” أي ان كل وحدة عسكرية تمتلك استقلالية العمل والاتصالات حتى لو انقطعت عن المركز وكمثال تم تفجير مكتب رئيس الوزراء الإيراني السابق محمد جواد باهنر في 30 أغسطس 1981، مما أدى إلى مقتل الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر وأكثر من سبعين شخصية قيادية من بينهم محمد بهشتي رئيس الحزب الجمهوري ورئيس المحكمة العليا وعضو مجلس الرئاسة الثلاثي مع 71 مسؤولاً من زعماء الحزب.
وفي 22 ايلول 1981 ، أي بعد حوالي عشرين يوماً، قامت القوات الايرانية بهجوم مباغت للجيش العراقي وكسر حصار عبادان من ثلاث جهات من دون قيادة مركزية.
هناك تقليد في كل جيوش العالم عندما تُنذر وحدات عسكرية بالاستعداد للهجوم، فهذا الهجوم إما ينفذ في خلال 24 ساعة أو يلغى،
لأن الجنود أمام تهديد وجودي ومصير غامض يعانون من الانهاك النفسي والجسدي وتكثر الأسئلة وأسوأ محارب من يطرح أسئلة بلا إجابات كما هو حال جيش اسرائيل اليوم.
اسرائيل تحت العقاب اليوم في استنزاف مميت وتتمنى لو ينتهي الهجوم اليوم قبل الغد لكي تخرج من أخطر كابوس في تاريخها الشرير:
المشكلة ليست في أن تعلن الحرب وتتحكم في البدايات، المشكلة من يتحكم في النهايات ويخرج، منتصراً.