د.صلاح السروي يكتب :لماذا نعتبر أن هذه الحرب حربنا؟؟

يقوم المشروع الاسرائيلي على جعل اسرائيل هي القوة الوحيدة القادرة على البطش في المنطقة، وذلك ضمانا لاستمرارها بوصفها كيانا يسمي نفسه دولة. وكذلك لضمان إمكانية الحفاظ على غنائمها التي اغتصبتها والتي تتراكم كل حين (أرض فلسطين ومعها الجولان في سوريا، وقرية الغجر وتلال كفار شوبا في لبنان، وكل ما يمكن السيطرة عليه مما تسميه أرض اسرائيل الكبرى التي تمتد بين كل من العراق وسوريا ولبنان وشمال الجزيرة العربية وشرق مصر). وهذا يقتضي ضرب وتقويض كل القوى ذات الشأن بالمنطقة والقادرة على عرقلة مخططتها. وخطتها لتحقيق تلك النوايا هو تسخين الجبهات الأضعف، في مقابل تسكين الجبهات الأخرى، مع العمل على الاستعانة بها كلما أمكن ضد الجبهات الأخرى الأكثر خطورة.
ولذلك كانت إسرائيل تسعى على الدوام الى محاولة التقارب مع بعض الدول العربية، ولكن هذا لم يكن يعني أن هذه الدول قد خرجت من دائرة الاستهداف الصهيوني، بل تأجيل ذلك الاستهداف حتى يحين الوقت المناسب.
والقوى التي يمكنها عرقلة المخطط الصهيوني في الآونة الراهنة، بعد القضاء على قوة العراق وسوريا، هي تلك المتمثلة في كل من ايران وتركيا ومصر. (والترتيب هنا يمكن أن يعني الجبهة الأكثر خطورة، ويمكن أن يعني الجبهة المتاحة والأسهل في الإنجاز، مثلما حدث مع تدمير مقدرات الجيش السوري وحزب الله وقضم بعض الأراضي هنا أو هناك).
وهذه الدول الثلاث (ايران، تركيا، مصر) هي موضوع وبؤرة التخطيط (بعيد وقريب المدى) ومنطقة العمليات الإسرائيلية. ويشمل ذلك كل ما يمكن عمله من عمليات تخريبية: من جمع معلومات وزرع فتن واثارة نعرات الى اغتيال قادة وافشال الاقتصاد واشاعة التخلف.. وكل ما يمكن أن يؤدي الى اضعاف هذه الدول، تمهيدا للاجهاز عليها في الوقت المناسب.
وما يجعل ايران تمثل أولوية بالنسبة لإسرائيل هو وجود عدة عوامل:
– أن ايران تمتلك مشروعا مناقضا تماما وعلى نحو جوهري للمشروع الصهيوني، يرتكز على تزعم العالم الاسلامي (وبخاصة الشيعي) تحت غطاء نصرة القضية الفلسطينية، بهدف استعادة بعض (ان لم يكن كل) النفوذ الامبراطوري الفارسي القديم في منطقة يراها الجميع منطقة فارغة من القوة ومليئة بالموارد والأموال. وحجر العثرة الرئيس في سبيل تحقيق ذلك بالنسبة لإيران هو وجود الدولة الصهيونية. التي تمتلك مشروعا مناقضا، على النحو الذي تمت الاشارة اليه آنفا.
وتمتلك تركيا، كذلك، مشروعها الخاص، وهو ذلك المتمثل في محاولة استعادة بعض مما كان لديها من هيمنة وسيطرة فيما قبل اتفاقية “لوزان”، التي اقتطعت ما يساوي عشرة أضعاف المساحة الفعلية لتركيا الراهنة. وما زالت تركيا تردد حتى هذه اللحظة أن لها حقا مسلوبا في كل من العراق وسوريا وربما أيضا في الحجاز. وهذا ما يجعلها متناقضة تماما مع المشروع الصهيوني.
أما مصر فهي البلد المستهدف، بصورة مباشرة، بالتدمير سواء أكانت تمتلك مشروعا (كان لديها مشروع القومية العربية التقدمي في العهد الناصري) أو حتى وهي لا تمتلك سوى مجرد القدرة على حماية استقرارها. ذلك لأن مصر هي مطمع بحد ذاتها، سواء باجبارها على قبول تصدير الفلسطينيين المطلوب التخلص منهم الى أراضيها، أو لأنها تمثل أرض سفر “الخروج” التي لا بد من العودة اليها. وما محاولات التقارب مع دول الخليج تحت ادعاءات “الابراهيمية” أو الترهيب والترغيب الترامبي، (في رأيي) سوى الرغبة في قطع سبل الدعم المتاحة لمصر، وتحويل الخليج الى أداة في الضغط عليها، ان لم يكن تدميرها. وهذا ليس جديدا على أية حال (راجع دور السعودية في التحريض على عبد الناصر وجهودها الهائلة في محاولة افشال مشروعه، ثم دور معظم دول الخليج في محاولات “أسلمة” المجال العام في مصر، عن طريق دعم الاخوان (في فترات سابقة) وتصدير الوهابية (وهذا قائم حتى الآن)، وشراء ولاءات بعض النخب، وازكاء الفتن الطائفية.. الخ. وتقوم أمريكا وإسرائيل بتلك المحاولات مع دول الخليج ستغلين رغبة عدد من زعماء هذه الدول في بناء مناطق نفوذ مناهضة للمشروع الإيراني، عن طريق التحالف مع إسرائيل. وكذلك، بغية تحقيق نوع من الزعامة والقيادة والتأثيرن على حساب الدور الآفل للقيادة المصرية التقليدية للمنطقة.
من هنا يمكن أن نفهم الكثير من المناورات والسلوكيات التي تصدر عن كل من هذه الأطراف. ويمكن أن نكتشف أيضا الأهداف الخفية أو المتسترة بأهداف أخرى معلنة، مثل الدعم المبني على الأخوة العربية أو الربطة الدينية، أو ما شاكل ذلك من دعاوى تخفي أكثر ما تظهر.
وغني عن القول أن هناك التقاء واضحا بين كل من المشروع الصهيوني والمخططات الامبريالية الغربية المتمثلة في انجلترا وفرنسا وألمانيا وقبلهم جميعا الولايات المتحدة. فاسرائيل بالنسبة للغرب ليست أكثر من (حاملة طائرات أرضية) أو مفرزة متقدمة، لتحقيق أهدافهم في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط برمتها، بوصفها حلقة استراتيجية بالغة الأهمية (من جميع النواحي الاقتصادية والعسكرية والجيوبوليتيكية) في الصراع الاستراتيجي العالمي بين كل من الصين وروسيا والغرب الامبريالي (حلف الناتو) بوصفهم أطرافا ثلاثة (فكل منهم لديه مشروعه الخاص)
واذا عدنا الى المشروع الصهيوني، فان ايران بالنسبة له تعد الخطر الأقرب والأكثر الحاحا. فهي من يقترب الآن من امتلاك القنبلة النووية، وهي من يدعم معظم المناوئين لاسرائيل، سواء حزب الله أو أنصار الله أو حتى الحشد الشعبي في العراق. فلابد اذن من الاجهاز عليها بأسرع ما يمكن. من هنا كان تعجل نتنياهو في توجيه تلك الضربة الى ايران. فأي تأجيل قد يعني ضياع الفرصة للأبد، في حال اذا نجحت ايران في امتلاك القنبلة النووية. وهذا يعني تأجيل ملف القوى الأخرى (تركيا ومصر) ولا بأس من تهدئة الأوضاع معهم، اذا لم يكن من الممكن استمالتهم. وهو ما يحدث بدرجات معينة وبين حين وآخر مع كل من مصر وتركيا، على التحديد.
واذا تمكنت اسرائيل من القضاء على ما تعتبره الخطر الايراني، فانها بكل تأكيد سوف تستدير الى واحدة من الدائرتين المتبقيتين (مصر أو تركيا). وستكون مهمتها أسهل عما قبل. ولذلك يعد الحفاظ على صمود ايران وابعاد شبح الهزيمة عنها، بمثابة صمام أمان في الحفاظ على نوع من التوازن الاستراتيجي (المختل في الأصل لصالح اسرائيل) الذي يضمن نوعا من الأمن لباقي الأطراف.
واذا كانت تلك هي طبيعة الموقف الاستراتيجي في المنطقة فيمكننا القول بأن هذه الحرب هي حربنا نحن المصريين ومعنا باقي شعوب ودول المنطقة.