كتاب وشعراء

رصيفُ الغرباء …..بقلم ريتا الحكيم

رصيفُ الغرباء
على الرَّصيفِ..
تخلعُ نِعالَ الغربةِ
تلمحُ شركاءَ لكَ ضاقت تلكَ النِّعالُ على أقدامِهم
يصطفُّون أمامَ الباراتِ
يتسوَّلونَ الخدرَ، والغيبوبةَ
فتترنَّحُ، وتهوي النِّساءُ المنسيَّاتُ من لحاهُم.
**
ترسمُ ملامحَ وجهٍ بطباشير الخيبةِ
تُسقطُ من حساباتِكَ العينينِ الغائرتينِ،
وتجويفَ الفمِ الخالي مِنَ اللسانِ والأسنانِ،
تتساءلُ بفضولِ طفلٍ تاهَ عن حُضنِ أمِّهِ:
لمَن هذا الوجهُ الشَّاحبُ؟
**
وأنتَ تبحثُ عنكَ في تفاصيلِ الوجعِ اليوميِّ
تكتشفُ عدمَ جدوى وجودِكَ كرقمٍ
في لائحةٍ طويلةٍ مُلصَقةٍ على ظهرِ الحياةِ
تحتضنكَ يافطاتُ الحزنِ الممزوجِ بالضَّجرِ
وتمهِّدُ لموتكَ البطيءِ بأمراضٍ انقرضتْ من قاموسِهِ
وأيقظتْها الحربُ من سباتِها.
**
تعيدُ تدويرَ رغبتِكَ
تفشلُ في الصُّعودِ إليها شهوةً.. شهوة
وتتسلَّقُ بندولَ زمنٍ لن يأتي
تُشفقُ عليكَ عقاربُهُ، وتواكبُ حيرتَكَ وضياعَكَ
إلى أن تنفجرَ براكينُ رأسكَ.
**
تتقمَّصُ الأمكنةُ ذاكرَتنا..
تُقرضُنا من لدنِّها أزمانًا آخرى،
ووجوهًا أخرى
نتخبَّطُ، ونقتتلُ على ناصيةِ الشِّعرِ
تتورَّمُ أقدامُ قصائدِنا.. تتشقَّق،
وتندلقُ مآسينا على هوامشِها.
**
هزائم الرُّوح بقعٌ داكنةٌ تندسُّ تحت وسائِدِ الشَّغفِ،
وبأصابعِها النَّحيلةِ تفرفطُ عناقيدَ الهيامِ قُبلةً.. قُبلة
وحين يتنكَّرُ الغيابُ بثيابِ الحُضورِ،
ينكمشُ قميصُ المسافةِ الفضفاضِ،
وتذوبُ أزرارهُ بين شفتيِّ الانتظارِ كقطعةِ سكَّر.
**
الأشواقُ خلاخيلُ غجريةٍ تصهلُ في ليالينا الباردةِ،
تنكأ شهواتِنا ورغباتِنا
تحيكُ لها أثوابًا فاضحةً
هذا ما باحتْ به العرَّافةٌ للرِّيحِ حين تسلَّلت بين خطوطِ كفِّي،
وبجُرمِ العشقِ واجهتني.
**
لم أكن أعلمُ أنَّ البحرَ فقدَ ظلَّه مذ تبلَّلت قصائدُنا بزبَدِ أمواجهِ،
وأنني سأغدو صلصالًا بين يديِّ عابرٍ لا يجيدُ تشكيلَهُ على هيئةِ،
وألوانِ قوسِ قزح.
لن تتحوَّلَ ذرَّاتُ الملحِ العالقةِ على جفنيَّ
إلى مفرداتٍ لأكملَ هذا النَّص،
ولن يُكتبَ لظلالِنا التائهةِ أن تتهجَّى
قوافيَ العشقِ على عتبتِهِ.
**
بتوقيتِ آخِرِ مجازٍ لهذا النَّص،
وآخِرِ تأويلٍ لهُ تبتدعُهُ أنتَ.. لا بدَّ للُّغةِ أن تقتصَّ منَّا،
ربَّما تُعلِّقُ لنا المشانقَ على امتدادِ أبجديَّتها،
أو تستبيحُ دماءَنا؛ لتُغرقَ بها كلَّ مَن يتطاولُ على عرشِها،
ويهشُّ للقرَّاءِ بصولجانِها.
ترحلُ أنتَ، وأرحلُ أنا..
واللغة الأمُّ بكلِّ بهائِها تُوارينا الثَّرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى