محمد عبد العاطي يكتب :الخطر المحدق بمصر حاليا

إذا كنت مصريًّا فقد يتبادر إلى ذهنك السؤال التالي: أين مصلحة بلادي فيما يحدث من عمليات عسكرية متبادلة بين إيران وإسرائيل؟
الحق أن الكلمة المفتاحية في السؤال السابق هي كلمة “مصلحة”، والتي إن اتفقنا على تحديدها سهل علينا معرفة الإجابة.
لا شك أن مصلحة أي بلد في العالم، وليس مصر فقط، هي أولا درء الخطر عن نفسها، وثانيا جلب المنفعة إلى شعبها.
إذن ما هو الخطر المحدق بمصر حاليا ومستقبلا لكي تدرئه عن نفسها؟
الحقيقة أن المخاطر والأخطار كثيرة ويمكن تقسيمها إلى ما هو داخلي وما هو خارجي.
أما الخطر الداخلي فله أوجه متعددة؛ أهمها: الأزمة المالية، وتدهور قيمة العملة، وارتفاع حجم الديون، وضعف الاقتصاد الكلي القادر على النهوض بالصناعات المدنية والعسكرية والنهوض بالتعليم والصحة ومستوى معيشة المواطنين وما هنالك.
وفيما يتعلق بالأخطار الخارجية فالحقيقة إنها كثيرة ومتعددة، أهمها: خطر التحكم الأثيوبي في مياه النيل، والحرب الدائرة في السودان وشبح التقسيم الذي يلوح في أفق هذا البلد الجار، وازدياد تدخل القوى الأجنبية خاصة تلك القوى التي لا تريد لا للسودان ولا لمصر الاستقرار والتعافي والنهوض.
والحال نفسه بالنسبة للخطر المتمثل في النزاع الحاصل في ليبيا، والتدخلات الخارجية في هذا البلد أيضا من قبل ذات القوى التي تتدخل في السودان.
بالإضافة إلى الدمار الواسع الذي لحق بقطاع غزة واحتمالية تهجير سكانه، طوعا و/أو قسرا، نتيجة عدم القدرة على تحمل العيش والبقاء هناك. وبالطبع يمكن أن يكون المكان المختار لتهجير هؤلاء هو مصر، وبالأخص سيناء.
ثم ذلك الخطر الناجم عن سيطرة جماعة الحوثي على أجزاء مهمة من اليمن وأكثرها حساسية مثل باب المندب، وما يمثله من تهديد لمدخل البحر الأحمر وقناة السويس.
وأخيرا الخطر الكامن في الحرب الجارية حاليا بين إسرائيل وإيران. وهو خطر مركَّب ومعقد في حال انتصر هذا الطرف أو ذاك. فلو انتصرت إيران فإن ذلك معناه بروز قوة إقليمية لديها قدرات صاروخية وربما نووية، تعتمد -كعادتها طيلة السنوات الثلاثين الماضية- منطق الهيمنة الإقليمية بدلا من التعايش والتعاون الإقليمي. وتمد أذرعها وميليشياتها الخارجة عن سلطة الدولة فتحدث تخريبا كما حصل في لبنان واليمن والعراق ومن قبل في سوريا.
وإن انتصرت إسرائيل فذلك معناه تفرُّد القوة الصهيونية الشرسة بالمنطقة، وهي أيضا تتعامل بمنطق مد النفوذ وبسط الهيمنة والسيطرة بطرق دموية مدمرة، ولا تعرف طرائق العيش السلمي، وتعمل ليلا ونهارا على إضعاف جيرانها بشتى السبل، اعتقادا منها بأن ذلك هو الشرط الوحيد لبقائها آمنة.
هذه إذن هي خريطة المخاطر والأخطار الداخلية والخارجية التي تعترض مصر وتجعلها تفكر بدقة وهي تبني موقفها مما يجري في المنطقة بالطريقة التي تخدم مصالحها.
إذن، نختصر ما سبق:
مصر تعيش في بيئة إقليمية أمنية مشتعلة؛ النيران حولها من كل جانب، وأي خطأ في الحسابات -لا قدَّر الله- يمكن لشظايا هذه النيران أن تمتد إليها.
إزاء هذا الوضع نعود للسؤال:
أين تكمن مصلحة مصر فيما يحدث من عمليات عسكرية متبادلة بين إيران وإسرائيل؟
باستصحاب الأخطار سابقة الذكر يمكن القول إن مصلحة مصر تكمن في الآتي:
الوقوف على الحياد. لأنه ليس من مصلحتها انتصار طرف على آخر. بل قد تكون مصلحتها في استنزاف كل طرف للطرف الآخر حد الانهاك، ومن ثم يمكن لمصر -كقوى إقليمية ناهضة مستقبلا- أن تجد لها مكانا عدد من سيزاحمونها فيه أقل مما هو عليه الآن.
أما أن تتدخل مصر لمساعدة طرف على طرف فهذه لعبة خطرة جدا، فضلا عن كونها لا تخدم مصالحها. فإن تدخلت وساعدت إسرائيل، على سبيل المثال، فإن إسرائيل ستحتفظ لمصر بهذا “المعروف” سنة أو ربما عشر سنوات ثم بعد ذلك ستعاود مناصبتها العداء وإضعافها والتآمر عليها. ذلك لأن مصر القوية مصدر تهديد لإسرائيل.
وإن ساعدت إيران فإنه قد يكون رهانا على الحصان الخاسر من جهة، ثم إن مصر لا تأمن رد فعل إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بسبب هذه المساعدة من جهة ثانية، ونحن جربنا ذلك في حرب أكتوبر 1973 حينما هاجمنا إسرائيل في أول المعركة وكدنا نهزمها، لكن حينما ساعدتها أميركا تغير ميزان القوة وانقلبت كفة المعركة.
فالخلاصة:
مصر بحاجة إلى التزام الحياد، والانكفاء على الذات لتقوية قدراتها الذاتية من قوة عسكرية، واقتصادية، وتعليمية، وتكنولوجية، وتقوية صفات ومهارات وقدرات الإنسان المصري التعليمية والمهارية والثقافية والأخلاقية، لأنها عماد التنمية ولأنه هو من سيدافع عن بلده.
هذا بالطبع هو منطق المصلحة من وجهة نظري الفردية، وقد لا يعجب البعض هذا الكلام وينقده من منطلق مفاهيم: الإخوة الإسلامية، إغاثة الملهوف، الوقوف مع المظلوم ضد الظالم… إلى غير ذلك من مفاهيم، نحترمها بالتأكيد، لكن منطق الدول ومصالح الشعوب واستراتيجيات التعامل مع المخاطر والتهديدات له حساباته الأخرى.