كتاب وشعراء

دراسة نقدية ذرائعية من إنجاز الأديبة سمر الديك لنص أكثر من موت واحد للشاعرة د.مرشدة جاويش

دراسة نقدية ذرائعية لنص بعنوان “أكثر من موت واحد”:للشاعرة القديرة مرشدة جاويش

أولاً:التجنيس الأدبي :
قصيدة نثرية تندرج ضمن الشعر الوجداني الاجتماعي، الذي يجمع بين الشعور بالحزن النبيل والوجد الصوفي والطرح القيمي الشفاف

-العتبة النصية والعنوان

العنوان يحمل مفارقة وجودية: “أكثر من موت واحد”، ما يوحي بأن الموت في هذا النص ليس حدثًا بيولوجيًا فقط، بل تجربة شعورية تتكرر وتتجدد في الذاكرة، في الغياب، وفي العجز عن النسيان. إنه موتٌ يتشظى في الذات، في اللغة، وفي المعنى.

-البؤرة والخلفية الأخلاقية

البؤرة: القصد العام للقصيدة النص مرثية وجودية، لكنه يتجاوز الرثاء التقليدي إلى تجربة فلسفية في الحزن، حيث لا ترثي الشاعرة “لينُ” بوصفها راحلة، بل بوصفها كائناً متجاوزاً للغياب. الرؤية الشعرية هنا تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ”ميتافيزيقا الفقد”، حيث يتحول الغياب إلى حضور داخلي، والرحيل إلى قيامة متكررة.
-المستوى اللغوي
اللغة مشحونة بكثافة رمزية عالية، تتوسل المجاز والتجريد:

“كنتِ تسيرين كنسمة في فكرة أخطأت تجسدها”: صورة مذهلة، تجعل من الراحلة فكرةً لم تكتمل، وكأنها لم تكن من هذا العالم أصلًا.
“ترتبين الدمع كنظرية كونية للعزلة”: هنا تتجلى عبقرية الصورة، إذ يتحول البكاء إلى نظام كوني، والعزلة إلى معادلة وجودية.
“المطر يتساقط في داخلي”: استعارة داخلية للمأساة، حيث يصبح الحزن مناخًا داخليًا لا يُرى.
كما نلاحظ أنّ الشاعرة تستخدم أسلوباً لغوياً وتقنيات عالية
-الضمير المخاطب(أنتِ)
يخلق حميمية عالية ويجعل القارئ شريكاً في الحزن
-غياب علامات الترقيم يعكس انسياب الشعور وكأنّ النص يُكتب بنفس واحدة
-التكرار(كنت،لم،كلّ) يُعزّز الإيقاع الداخلي ويؤكد على التوتر العاطفي

-المستوى النفسي والشعوري :

النص يتحرك بين ثنائية الحضور والغياب، الذات والآخر، الواقع والحلم. الشاعرة لا تُسلّم بالموت، بل تراه تحولًا: “أنا لا أرثيكِ، أنا أصدق قيامتكِ الصغرى”. هذا التصعيد الشعوري يجعل من النص تجربة وجدانية متجاوزة للزمن.

-التقييم الذرائعي النهائي:
المقروئية: عالية جدًا، بفضل وضوح اللغة وصدق الشعور.
الأثر الجمالي: توليفة ناجحة بين البلاغة والانفعال حيث الغياب حضور داخلي والرحيل إلى قيامة متكررة

القيمةالأخلاقية: سامية، تستند إلى عدم التسليم بالموت والندب والصراخ بل تراه تحولاً منطقياً في الحياة
– القيمة الفنية: تعتمد على التوازن بين الشكل والمضمون، واستخدام الرمز بشكل مباشر يخدم خطاباً جمعياً واضحاً.
خاتمة:
تمثل قصيدة” أكثر من موت واحد”صرخة شعرية تحمل في عمقها رؤية إنسانية
“لن أطفئ قلبي… ليكون هو الدليل أنكِ كنتِ”.
هنا يتحول القلب إلى وثيقة وجود، إلى شاهد على أن الراحلة لم تكن حلماً، بل حقيقةً تسكن كل ما تبقى من الشاعرة.

#أَكْثَرُ_مِنْ_مَوْتٍ_وَاحِدٍ

(لِينُ)
الغِيابِ في ذِكْرَاها
هُنا
فَوْقَ الرُّوحِ يَتَلاشى السُّؤالُ
وتَنْطَوِي الدُّموعُ على أَسْرَارِ الرَّحِيلِ
كنتِ تَسِيرِينَ كَنَسْمَةٍ
فِي فِكْرَةٍ أَخْطَأَتْ تَجَسُّدَهَا
كُنتِ خَفْقاً زَائِداً
فِي قَلْبِ الوُجُودِ
وَلَمْ يَسْتَوْعِبْكِ المَجَازُ
كنتِ تَسِيرِينَ فِي الحُلْمِ
كَأَنَّكِ بَقَايَا سَهوٍ إِلَهِيٍّ
تَكْتُبِينَ الأَبْجَدِيَّةَ
بِصَوْتِ الفَقْدِ
وَتُرَتِّبِينَ الدَّمْعَ
كَنَظَرِيَّةٍ كَوْنِيَّةٍ لِلعُزْلَةِ
فَمَاذَا نَفْعَلُ
أَنَا لَا أَرْثِيكِ
أَنَا أُصَدِّقُ قِيَامَتَكِ الصُّغْرَى
فِي كُلِّ نَفَسٍ
أَشْعُرُ أَنَّكِ
لَمْ تَمُوتِي
بَل أَنَا الَّذِي
تَفَكَّكْتُ فِيكِ
وَلَمْ أَلْحَقْكِ بَعْد
وأنا؟
لم أَعُدْ أُجِيدُ التَّفْرِقَةَ
بَيْنَ ظِلٍّ يَعْبُرُني
وبَيْنَ طَيْفِكِ الّذي لا يَغِيب
كُلُّ شَيْءٍ يُسَاوِمُنِي عَلَيْكِ
كُلُّ مَكَانٍ يَمُدُّ لِي يَدَهُ
فَأُحِسُّ نُقْصَاناً
كَأَنَّ يَدَكِ كَانَتِ الزَّائِدَةَ الَّتِي تَكْمُلُنِي
لم أَقُلْ شيئاً
غَيْرَ أَنَّ المَطَرَ يَتَسَاقَطُ فِي دَاخِلِي
وَالعَالَمَ يُواصِلُ مَشْهَدَهُ العَابِر
كَأَنَّكِ لَمْ تَكُونِي نُوراً
أَو كَأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ كَفَصِيلَةِ مَعْنًى
بِرَحِيلِكِ
فَكوني بَعِيدَةً
كَمَا يَلِيقُ بِمَنْ
عَبَرَ هذا العَالَمَ
وَتَرَكَ خَلْفَهُ
كُلَّ ضَوْءِهِ
وَإِذَا سَأَلُوكِ عَنِ الدُّنْيَا
قُولِي لَهُمْ:
“أَتَيْتُ لأَكْتُبَهَا
فَلَمْ تَتَّسِعْ لِي”
وعنِّي
لَنْ أُطْفِئَ قَلْبِي
سَأَتْرُكُهُ يَنْبِضُ
فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَاي
لِيَكُونَ هُوَ الدَّلِيلَ
أَنَّكِ كُنْتِ

#مرشدة_جاويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى