فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :أخطر ملامح الانحدار الذي أصاب المجال العام المصري

أحد أخطر ملامح الانحدار الذي أصاب المجال العام المصري خلال العقدين الأخيرين، هو ضعف الوعي السياسي عند الغالبية، بمن فيهم من يُفترض أنهم “صنّاع الرأي”—من مذيعين ومعلقين وضيوف برامج، وحتى الجمهور المتحمّس في التعليقات.
تأمل مثلًا طريقة تحليل المصريين للصراع بين إسرائيل وإيران، أو للملف السوداني، أو للمشهد الليبي:
أغلب التحليلات لا تتجاوز منطق “الأغنية الوطنية” أو “المؤامرة الخارجية”، دون أدوات تحليل، دون تاريخ، دون جغرافيا، ودون سؤال جوهري: ماذا يعني هذا لنا؟
تحليلات سطحها “العواطف”، وعمقها “لا شيء”.
صوت عالي، ومعلومة صفر، ووعي تحت الصفر.
أما المعارضة، فبتنافسهم في الجهل، بس من زاوية تانية:
نفس الأداء، نفس السطحية، بس بالكاميرا مقلوبة.
الكل بيتكلم عن خرائط وتحالفات وممرات مائية وهو مش عارف الفرق بين “البحر الأحمر” و”البطيخة الكبيرة”.
اللافت أكثر، أنك حين تقرأ لمحللين من السودان، أو لبنان، أو حتى من الخليج وشمال أفريقيا، تجد منطقًا أكثر اتساقًا، ووعيًا أعمق بطبيعة الصراعات الإقليمية، وأثرها المباشر على الداخل الوطني.
الفرق؟
أن هناك -في تلك المجتمعات رغم أزماتها- لا يزال شبه تقاليد سياسية حية، ونقاش عام حي، ونُخب تفكر خارج دوائر الأمن والخوف والابتزاز.
إحنا باختصار في حالة “إفلاس استراتيجي”.
مش بس إعلاميين جهلة…
لا، مجتمع كامل تم تسليمه لأصوات تعرف الصراخ، وتجهل التفكير.
مصر لا تشارك في الصراع، ولا تصنع موقفًا، ولا حتى تشرح لنفسها إيه اللي بيحصل.
إحنا بنتفرج… بس على طريقة “رد الفعل” الشعبي:
يا بتهتف، يا بتشتم، يا بتتريق… بس ولا حد بيفهم إحنا فين أصلًا.
نحن، ندفع اليوم ثمنًا باهظًا لانحدار التعليم، وتجريف الجامعات، واحتكار المجال العام من قبل “صنّاع الصوت العالي” بدل صنّاع الفكر والرؤية.
أزمة مصر ليست في غياب الإمكانيات… بل في غياب المشروع، وغياب العقلاء، وغياب الأسئلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى