حمزه الحسن يكتب : لا تدس أنفك في الوحل أيها الغبي

هل الرئيس الامريكي متردد فعلا ام يناور ويمارس سياسة الغموض المقلق في ظروف معقدة تتحمل كل انواع التفسير؟
وهل هو على وشك اصدار قرار في المشاركة في الحرب؟ أم ترك نتنياهو يغرق في الوحل الايراني دون أن يخسر هو شيئاً؟
مستوى القناعة في ذهاب الرئيس للحرب ضئيل جدا رغم كل الضجيج وتصريحاته الملتبسة المتعمدة المراوغة،
وبما ان لغة السياسة ليست لغة يقين او جزم او قطع، وهي لغة احتمالات خاصة والأمر يتعلق بمشاعر وارادات وأفكار وهواجس ومخاوف قوى متعادية،
لكن الإحتمال المرجح لــــ” تردد الرئيس” مع ان الولايات المتحدة منخرطة في الحرب في التخطيط والسلاح والمخابرات ونظام المعلومات والاقمار الصناعية والدعم السياسي وغيره ،
الاحتمال المرجح هو أن الرئيس تلقى نصائح من مستشاريه الأمنيين ممن تعاملوا في قضايا الشرق الأوسط في أن” لا تدس أنفك” في قضايا تلك الدول والشعوب لأن مفاهيم الحياة والموت والنصر والتضحية والهزيمة ليست هي في المفاهيم الغربية،
والدخول في حرب مع ايران، يعني الدخول في حقل الغام ، وحرب طويلة الأمد لأن مفهوم” الشرف ” و” العار” و” والاستسلام” أقسى من الموت عند هذه الجماعات.
عليك قبل اتخاذ قرارك أن تفهم ، أيها الغبي، إن هؤلاء القوم يطالبون بثارات قائد لهم قتل قبل أربعة عشر قرناً،
وهم لم يدفنوا قتلاهم حتى الآن،
فكيف يغفرون لك ولغيرك قتل قادتهم اليوم؟ كان نتنياهو يخاطب الشعب الايراني للانقلاب على النظام لكن الرد غير المتوقع ان جماعات معارضة للنظام في الخارج اتحدت مع النظام في رفض الحرب لان الأرض ليست النظام.
هؤلاء ليسوا الاتحاد السوفيتي لكي تدرس الماركسية اللينينية وتعرف خطوتهم القادمة ولا هم الصين أو روسيا أو كوريا الذين يفكرون حسب مرجعيات فكرية واضحة.
في العالم العربي والاسلامي تلعب عناصر غير متوقعة في صناعة أحداث كالحلم والخيرة والمسبحة والطيف والصدفة والاسطورة والمرجعيات ونظام الفتوى مما لا يستطيع العقل الغربي توقع خطوتهم القادمة.
الخطأ الفادح الذي يقع فيه العقل الغربي الامريكي السياسي الاستعماري
هو العجز عن فهم العقل العربي والاسلامي والمشرقي المحلي،
ولم يواجه العقل السياسي الغربي الأمريكي هذه المشكلة في صراعه مع بعضه ومع الاتحاد السوفيتي مثلاً.
تمكن من فهم وتحديد عناصر الفكر الشيوعي ، ومعرفة نقاط القوة والضعف، ويستطيع التكهن بالخطوة القادمة منه في ظروف محددة،
ومعرفة قوانين وعمل المؤسسات وقواعد العمل
وطراز الحياة في حالة الحرب والاضراب والحصار والأزمة الاقتصادية،
لأن هذه النظم علمانية ومصادر فلسفتها واضحة في ادارة الدولة والحرب والسلام،
وطرقها في الأزمات قابلة للتوقع،
لكن مع العقل العربي الاسلامي والمشرقي لا يمكن توقع ماذا سيحدث أو لا يحدث.
هناك دائماً عناصر في تفكيرنا المحلي وثقافتنا تستعصي
على الفهم والحساب والتخمين ولا تستطيع كل علوم الارض ومراكز الابحاث ضبطها، وعلى سبيل المثال قبل احتلال العراق استطاعوا معرفة كل
عناصر القوة في النظام السياسي ، الجيش والمطارات والحرس الجمهوري والأسلحة، والمال والنفط وحلفاء وأعداء النظام،
وحدود طاقته على تحمل حرب حديثة، وحتى حساب الاحتمالات التي تنبثق خلال الميدان،
والحوادث غير المتوقعة التي تتعلق بطبائع المحاربين من الطرفين كالمشاعر والغرائز وهي عناصر يصعب ضبطها كالخيانة والجنون والهروب،
لكن يمكن التحكم بنتائجها.
مع كل هذه الحسابات المجهرية الدقيقة وحتى دراسة إرتفاع طول أعواد القصب في المستنقعات المائية لأجل طيران منخفض
ونوعية الطيور وأسرابها لكي لا تدخل في محركات الطائرات وشهور الغيوم والصحو،
لكنهم فوجئوا بعناصر التفكير والثقافة والتاريخ والتقاليد المحلية لذلك زحلقوا العراق من مقاومة الاحتلال الى صراع أهلي.
السبب أن العقل العراقي لا يستعصي فقط على العقل الغربي والأمريكي بل على العقل العراقي أيضاً، وفي حالات يستعصي فهمه على الشخص نفسه،
ولا تستطيع كل مراكز الأبحاث والعلوم البشرية ولا علوم الباراسيكولوجيا،
ولا علم النجوم والتنجيم ولا حالات التسلطن والشطح واللاوعي والسريالية،
والنزول للقيعان العميقة في الشعور واللاشعور والهذيان،
ولا علم الشفرات الوراثية في توقع وحساب الخطوة القادمة لهذا العقل الذي قد يلعب كل الأدوار ونقيضها في آن واحد وعنده كل المبررات،
يمكن مثلاً أن يركض في موكب عزاء كربلائي وفي الوقت نفسه يفكر بموعد غلق محل العرق أو الحانة.
بعد الثورة الاسلامية الايرانية أسسوا في البيت الأبيض أكثر من ستة عشر مركز أبحاث لدراسة العقل الشيعي،
لأن هناك عناصر في هذا العقل لا وجود لها في الفكر الغربي، وهي عناصر تلعب دوراً في السياسة والمجتمع والثقافة،
كظاهرة الإمام المهدي والمرجع الأعلى وولاية الفقيه والفتوى والخيرة والمسبحة والحلم والرؤيا وهي مفاهيم لا وجود لها في العقل الغربي،
والتسلسل القيادي الهرمي والطيف والضريح وحتى العصاب الديني المتطرف،
ومكونات كثيرة تستعصي على التحليل الغربي والحصر أو الخضوع لسياق محدد أو وضع علامات راسخة لهذا العقل
الذي تلعب فيه الأساطير والتاريخ والمقدس ومفاهيم الشرف والرمز والشهادة والتضحية والبطولة دوراً محورياً،
الى جانب الحضور القوي الفاعل للموتى حيث الموت
في تقاليدنا هو سفر نحو دار الحق وفي حالات هم من يتحكم بالاحياء من خلال الفتاوى وزيارات الليل في الاحلام،
ومع ذلك فشلت هذه المراكز في توقع واحتواء واستباق العقل الشرقي الاسلامي وخاصة في طرفه الشيعي،
لأنه هو الآخر متعدد ومتشظي ومرجعيات عدة واختلافات كثيرة.
على سبيل المثال ثورة التنباك ــــ 1890 ـــــ عندما قامت شركات التبغ البريطانية باحتكار تصدير التبغ الى ايران والعراق وحسب الاقتصاديون الانكليز كل الاحتمالات من الخزن والتصدير والنقل والشحن والسعر والانواء الجوية،
وعندما دخلوا مرحلة التصدير باغتهم المرجع الاعلى السيد محمد حسن الشيرازي بفتوى تحريم التنباك،
تاركاً أحفاد وطلاب الاقتصادي آدم سميث في حيرة من أمرهم، لأنهم حسبوا كل شيء الا الفتوى.
الرئيس الاحمق ليس مترددا وحكاية يدرس الوضع اكذوبة ويمكنه العمل على كل الخيارات إلا خيار الحرب لأنه الخيار الوحيد الذي يفقده النوم للسنوات القادمة يتعلم خلالها لغة جديدة غير هذه اللغة السوقية المبتذلة.