كتاب وشعراء

صورة المرأة في أدب الطفل… عيشة صالح

صورة المرأة في أدب الطفل
عيشة صالح

يُعد أدب الطفل أحد الوسائط الثقافية الأكثر تأثيرًا في تشكيل وعي النشء، وتكوين تصوراته الأولى عن العالم، والأدوار الاجتماعية، والقيم الإنسانية. ومن أبرز العناصر التي تتسلل إلى عقل الطفل عبر القصة أو الحكاية أو المسرحية هي صورة المرأة، التي تُرسم بوعي أو من دونه، وتُزرع في ذاكرته كمصدر للقدوة أو كصورة نمطية.

في كثير من قصص الأطفال الكلاسيكية، تُرسم المرأة في أدوار نمطية مكرورة: الأم الحنون، الجدة الحكيمة، الأميرة المنتظرة منقذها، أو الساحرة الشريرة. نادرًا ما نجد المرأة في أدب الطفل العربي تؤدي دور القائدة، أو العالمة، أو البطلة التي تخوض مغامرة بمفردها. وقد أسهم هذا في ترسيخ أدوار محدودة للمرأة في خيال الطفل، وربط قيم الرعاية بالعاطفة حصراً بعالم النساء.

مع تطوّر الكتابة للطفل، بدأت بعض الأقلام تسعى إلى كسر القوالب التقليدية، فظهرت نماذج لبطلات صغيرات جريئات، لا ينتظرن الفارس بل يصنعن الحكاية. كما ظهرت الأم المتعلمة، والمربية الحكيمة، والأخت الشجاعة. ورغم أن هذه النماذج لا تزال أقل حضورًا، إلا أنها تشكّل خطوة مهمة نحو التوازن في تمثيل المرأة في عالم الطفولة.

إن غياب تمثيل متنوع وإيجابي للمرأة في أدب الطفل ينعكس مباشرة على وعي الأطفال، ذكورًا وإناثًا. فالطفلة التي لا تجد ما يمثّل طموحاتها في الكتب المصورة قد تعتقد أن عالم البطولات لا يخصها، والطفل الذي لا يرى امرأة قوية أو فاعلة قد ينشأ على تصور محدود عن قدرات الإناث. ولهذا، فإن إعادة تشكيل صورة المرأة في قصص الأطفال ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة تربوية.

يحتاج أدب الطفل العربي إلى مراجعة جادة لتمثيل المرأة فيه، وإلى تشجيع الكتاب على تقديم نماذج نسائية متنوعة وملهمة: الفتاة المخترعة، المرأة الريفية الصابرة، الجدة الناشطة في مجتمعها، الأم التي تدير مكتبة، والمعلمة التي تفتح نوافذ الحلم.

إن بناء وعي متوازن لدى الأطفال يبدأ من القصص التي يقرؤونها قبل النوم، ومن الحكايات التي يسمعونها على ألسنة الكبار. وفي هذا البناء، يجب أن تكون المرأة حاضرة لا ظلًا، فاعلة لا مفعولًا بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى