كتاب وشعراء

باعَ قصيدتَه.. بقلم : سابرينا عشوش

… باعَ قصيدتَه …

أنا… ما خُنتُ قضيّتي،
ولا بِعتُ قصيدتي في مزاداتِ الأثمان،
ما تَعَرَّتْ أوراقُ حروفي في أقسى العواصف،
ولا جَهِلَتْ نُبْلَ الأشعارِ في زمنِ الخذلان

كلُّ حروفي
لن تنهزمَ أمام جهلِ لسانِ بعض الشعراء،
حتى وإن كان بعضُهم عابدًا للأوثان

سويداءُ قلبي
أعلنتْ رحيلَها،
وما أنا إلا أسيرةُ الرّوحِ واللسان

كَتَمَتْ جدرانُ الكنائسِ أجراسَها،
كما كَتَمَتِ المحابرُ كلَّ الأقلام،
ونشرتِ الجرائدُ ذاك كلَّه في إعلانٍ بائس

ما صنعَ بي الحبُّ إلا الخذلان،
أنا من نحتُّ سهامَ القلوبِ على شجرةِ الغرام،
لتنحنيَ لي كلُّ الأغصان

تشهدُ حروفُ أسماءِ العشّاق،
أنني العاشقةُ… السيّدةُ الأولى،
وإن كنتُ أجهلُ الترجمةاعرف كيف أكتبُ سطرَين، أو آنٍ

لِمَ هاجرَ العشّاق؟
وهم من جمَّلوا المكان؟

القلمُ يعرفني،
والكلمةُ تحملني،
وحرفُ “التاء” يُثملني،
وبوحُ غَزَلِ القصيدةِ العارية
يخجلُ منّي

والشعرُ الغجريُّ يسكنني،
من بلادِ الأندلس،
مهرةٌ أرضعتني حولينِ كاملين

هنا لقبي،
وعلى الهويةِ موطني،
وكلُّ الأوطانِ أبي،
وأمّي… العروبة،
واللهُ وَلِيّي
أنا…او مَنْ…؟!..
هجرت الشمسُ والقمرُ مكانَهما،
وأعلنَ الغيمُ الحداد،
ليرقصَ الذئبُ
مع سقوطِ آخرِ قطرةِ مطر
أعلنتُ آخرَ الألحان،

غادرتُ وَكرَ الجُبناء
هنا…
الحبُّ صار بلا مكان،
ومعه طويتُ الكتاب،
وأنهيتُ قصةَ الهائمِ الولهان

خلعتُ ذاك الحبّ،
وأنا أعزفُ الألحان
على ذاك الحزن وصدر الكمان

يصرخُ اللحنُ
يا سنينَ العِزِّ بالشرفِ والنقاء،
مئةُ عام، وأربعُ أصابع، وشبرٌ، وكفن.

أُتابعُ رقصةَ
“الشبلُ من ذاك الأسد”،
كجاريةٍ قبلَ أن تَلِد الخبر، أنها عاقر،
وثوبي لا ساقَ له حين حانَ الأوان.

صار لا يصلحُ للّبس،
حتى اشتكى منه جسدي النحيف،
وبكى منه وجع العمودُ الفقري…
حين لبستُ ثوبَ السرِّ وقتَ الأذان

لقد سقطتْ
أمنياتُ السماءِ كلُّها على أرضِ النسيان،
وجفَّت عروقُ قلبي
من الحيرةِ على دموعِ الخد،
حين حذفَ الوقتُ
ذكرياتِ الأشواقِ من ذاك المكان.

ومع خرافةِ البيعِ الأخير،
باعَ ظلَّه…
لا لأنه أراد،لكنه اقنع نفسه
بل لأن الضوءَ يُباع اليوم من الأرض إلى المريخ

باعَ اسمَه،
لأن الجدارَ سأله عن كفيل،
فلم يجدْ من يكفله… سوى الصمتِ والصواريخ

تركَ نَفَسَه في علبةِ قصدير،
وأهدى صوتَه لرجلٍ يُتقنُ التهليلَ للقيد،
وبكى عليه للتاريخ

باعَ نفسَه ذاتَ فجر،
لأنَّ الفجرَ تأخّر،
ولأنَّ الليلَ علّقَ على عُنقه لافتةً تقول:
“إنْ لم تَبِع… ستموت منحنياً لا واقفًا”

فباع…
باعَ شيئًا لا يُرى،
لكنه في داخله…
باعَ نفسَه بثمنِ القصيدة.

باعَ قصيدته،
كما يُباع منديلٌ قديمٌ على
رصيفٍ تَعب،
سلّم الجهلَ لمن لا يقرأ،
وسجدَ لقلمٍ لا يعرفُ من الكلمةِ سوى الثمن.

نسي أنَّ الحروفَ وطن،
وأنَّ الكبرياءَ حِبرٌ لا يُمحى.
باعَ قلبه لمن يشتريه ببسمةٍ مزيفة،
ولم يتذكّر أنَّ النبضَ لا يُؤجَّر.

كان يملكُ مجرّةً من الشعر،
وقصائدَ لا تشيخ،
لكنه باعَها “مجاملةً” على بابِ مسؤول،
آه لو تصدق بها المتسول؟!..
كأن اعتنق الدين صدقة
لكن يا اسفي
قبل أن يكتب… كتبوه!

باعَ ذاكرته،
واختار أن يُصفّقَ لمن صادَرَ صوتَ الضجيج،
تركَ الكرامةَ في صندوقِ البريد،
وكتبَ فوقَ اسمِه: “للبيع… دون تفاوض”،
أتى للبيع وهم سبقوا فباعوه.

لو كان يعلمُ أنَّ القصيدةَ أمّ،
ما رماها في المزاد،
لو كان في صدرِه شهيقٌ حرّ،
ما خانَ الحروفَ،
وما سجدَ للرماد،
لكنهم كتموا خيط شفاته فخانوه.

باعَ روحَه وهو يبتسم،
ضحكَ كثيرًا حين قبضَ الثمن،
ولم يدرِ أنَّ ما باعَه
هو آخرُ ظلٍّ له…
تحتَ الشمس.

باعَ ظلَّ من أحبّتْه قصيدةً،
من جعلتْه شاعرًا،
نعم، باعَها… وباعَ قصيدته

باع شيئًا لا يُرى،
لكنّه في داخله
كان أغلى من النفس

باعَ خوفَه كي لا يراه أحد،
ثم باعَ حُلمَه لأنه لم يجدْ مكانًا ينامُ فيه.

ومع كلِّ صفقة،
كان يفقدُ ريشةً من جناحِه،
حتى صار يمشي على الأرض،
وهو الذي وُلِد ليطير،
فأعدموه…
ودفنوه مع أشيائه في كومة حُفر.

في اليومِ الذي سلَّم فيه ذاكرته،
نسي أنَّ الطفولةَ لا تُشترى،
وأنَّ الدمعَ حين يُحبَس…
يتحوّل إلى نار.

باع قلبه في سوقٍ مزدحم،
اشتراه تاجرٌ لا يعرفُ الحب،
بل يُتقنُ صُنعَ القلوبِ من حجر.

باع كلمتَه،
وسلّمَ حنجرتَه لعاصفةٍ تتكلّم بلسانِ غيره،
وبقي هو… صامتًا،
يحرسُ المقابرَ في داخله،
وينادي نفسَه:
“هنا كنتُ… قبل أن أبيع.” الحرفَ والجرّ وعدت مجروراً

وبعدَ زمن…
عاد إلى حيثُ بدأ،
نظر في المرآة، فلم يعرف وجهَه،
بل رأى فُتاتَ إنسانٍ…
باع نفسَه،
ثم اكتشف
أنَّ الكرامةَ لا تُباع،
ولا تعودُ حين تبيعُها تحتَ تهديدِ الخناجر.
………. سابرينا🇵🇸✌️
حقوق النشر محفوظة
@à la une
#FreePalestine🇵🇸

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى