أحمد شوقي يكتب :صراع مؤجّل .. لحرب بلا حسم

هدأت أصوات المعارك في منطقة الشرق الأوسط بعد أيام من التصعيد المُدمِّر بين إيران وإسرائيل ،بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ،بعد تدخل مباشر من الولايات المتحدة لسلاح الجو الأمريكي بتوجيه ضربات جوية مركزة لمنشآت إيران النووية .. ،لتتوقف المعارك ،لكن شظايا الحرب ما تزال كامنة مشتعلة تحت الرماد ،فالضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية في كل من نطنز وفوردو وأصفهان ،لم تَحسم المعركة لكنها فتحت بابًا جديدًا من المواجهات غير المُعلنة ،فهل نحن أمام نهاية البرنامج النووي الإيراني ،أم مجرد بداية لحرب أوسع نطاقاً ؟ أو بمعني اشمل هل نحن بصدد إعلان ضمني لتفوق السلاح الفارسي من الصواريخ الباليستية الفرط صوتية ،بعد تلقينه للجيش الاسرائيلي درساً مفزعاً والحاقه به خسائر فادحة غير مسبوقة ،أم أننا نتجه نحو مزيد من التمدد العبري بالمنطقة برعاية أمريكية!؟
▪️▪️▪️
علي قدر الضربة الأمريكية ومالها من قوة تدميرية معلنة ،لكن نتائجها كانت مدعاة للتساؤل: هل كانت تلك الضربات قاتلة سواء للنظام الإيراني أو لبرنامجه النووي ؟ فعلي الرغم من لجوء الولايات المتحدة الأمريكية لإستخدام قاذفاتها الاستراتيجية من طراز الشبح B-2 Spirit في تنفيذ هذه الضربات المركزة ،والتي أسقطت قنبلتن من طراز GBU-57 التي تعد الأقوى في ترساناتها التقليدية ،وهي القنبلة الوحيدة الخارقة للتحصينات المسلحة حتي سمك ٦٠ متر ، ولا يوجد مثيل لها في العالم ، ولايملكها سوي الولايات المتحدة الأميركية ،والتي اطلقت وأصابت منشأة فوردو الإيرانية المحصنة بعمق ١٠٠ متر بين أحضان الجبال .
كان الهدف واضحًا منذ البداية ،وهو شلّ البرنامج النووي الإيراني تماماً أو تعطيله لسنوات علي أقل تقدير ،لكن التقارير المُتضاربة الواردة عقب الضربات أطلت لتُثير الشكوك في الأذهان ،حتي أن تقرير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) الذي يؤكّد إلحاق “أضراراً بالغة” بالمنشآت الإيرانية النووية بحسب موقع BBC نيوز ،اعترف التقرير في الوقت ذاته بأن التقييم النهائي للضربات سيستغرق وقتًا أطول لتحديده نتائجها النهائية !.
تصريحات الساسة الإيرانيون وقواتها المسلحة الرسمية جاءت علي النقيض تماماً حيث قللت من خطورة تلك الخسائر ،بل وأصرّت على أن منشآتها الإستراتيجية “ما تزال صامدة” رغم اعترافها بالضربات الجوية الأميركية ،في حين سرّبت نفس المصادر تقارير استخباراتية افادت بنقل نحو ٤٠٠ كجم من اليورانيوم إلى مواقع ايرانية سرية جديدة .
البرنامج النووي الإيراني يعني للنظام الإيراني وساسته قضية وجود ومصير ،وهو بعد تحليل النتائج البدائية للقصف علي ما يبدو ما يزال قائمًا ،بل وقد يكون إمتداده وأستئنافه محملاً بإصرار أكبر مما كان متوقعاً من قبل الكيان قبيل الضربة الاستباقية الاسرائيلية لطهران منتصف يونيو الجاري ،وما يدعم جودة هذا الطرح ليس شيئاً من المسلمات ولا حتي البديهيات ،ولكن يكفينا معرفة أن كثير من التقارير التي أشارت إلى أن الضربات الأمريكية الأخيرة لم تؤثر بشكل كاف على القدرات النووية الإيرانية ،وأن إيران تستعد خلال الأيام القادمة للإعلان عن تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،مايشير إلي أن إيران ربما تستأنف برنامجها النووي في أقرب وقت دون خضوعها للتدخلات .
البرلمان الإيراني كان قد وافق الأسبوع الماضي على مشروع قانون يهدف إلي تعليق التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تاركاً الأمر بين يدي صناع القرار الإيراني ،وهو حدث إذا تم إدراجه حيز الواقع سوف يعيد الأمور بين الطرفين للنقطة صفر ،وربما يصب المزيد من الزيت علي النار ويأجج التوترات بين الطرفين في المنطقة ،سيما إذا أقدمت إسرائيل علي اي تحرك جديد ضد طهران بشكل مفاجئ ،وهو ماقد يؤدي لإندلاع حرب إقليمية جديدة ليجعل من وقف اطلاق النار الأخير مجرد فرصة لتعزيز كل طرف من موقفه وإستعادة قدراته ،ليزيد من خطورة التصعيد حال إستئناف الضربات الجوية والصاروخية بين الجانبين من جديد .
علي الجانب الاسرائيلي هناك عقيدة توراتية معلومة للجميع ،ومصدرها سفري إشعياء وحزقيال في أسفار العهد القديم ،حيث تذكر أسفارهم أن هناك حرب ستندلع في نهاية الزمان بين اليهود والفرس والأتراك ودول عدة أخري ،وهي الحرب النهائية للزمان قبيل ظهور المخلص بحسب العقائد التوراتية!
لهذه الاسباب من المتوقع أن يشهد الإقليم تطورات كبيرة في المواجهة بين إيران وإسرائيل خلال الفترة القادمة ،ستطرح المزيد من القضايا العالقة و تطفو المزيد من التوترات علي سطح الأحداث بين الحين والآخر ،وهو بالطبع مايدعو الجميع للقلق ،كما يدعو في آن وبإلحاح لإيجاد حلولاً دبلوماسية عاجلة وعاقلة لإنقاذ الإقليم ومنطقة الشرق الأوسط تجنبه التصعيد واستئناف المواجهات .
▪️▪️▪️
الضربة الأمريكية حتي وإن بدت قوية ،بيد أنها لم تُسقط النظام الإيراني ولم تُقصِ برنامجه النووي عن الوجود ،وهو ما منح الجانب الإيراني المزيد من الشعور بالصلابة والقدرة علي التأثير ،والمعركة بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي وإن هدأت ،لكن المعارك القادمة قد تتخللها أدوات أخري مختلفة ،كعقوبات اقتصاديّة ،عمليات نوعية ،أو حتى مواجهات مباشرة عندما تفقد الأطراف المتصارعة صبرها بالكامل ،وبين هذا و ذاك سوف يضطر العالم أن يقف متحجراً علي حافة الهاوية ،يترقب تخلي أحد الطرفين – أو كلاهما – عن طموحاته وأوهامه ،وإلا فإن الشرق الأوسط سوف يكون مقبلاً على أعنف فصوله التاريخية .
… يتبع @highlight