حمزه الحسن يكتب : شجرة واقفة على جذور خاوية

صورة اسرائيل ” الآخرى” لا تتطابق مع الواقع وتختلف عنه ، الوجه المظلم الكئيب والخائف الذي يحاول القادة إنكاره بالحديث عن انتصارات وتسويقه على انها الصورة الحقيقية.
هذه الصورة تخفي الخراب وفقدان الامل والخيبة والكوابيس والخوف من القادم وكما توقع الكاتب الاسرائيلي روجل أفرد منذ العام الماضي في مقال في صحيفة هآرتس ـــــ صحيفة يسارية تغرد خارج السرب ـــــ إن ” 6 حلقات تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل،
وهي العيش في ظل حرب تبدو أنها أبدية وغير قابلة للتوقف، والتأثير المدمر للحريديم ـــــــ جماعات يهودية متطرفة اصولية ـــــــــ على الاقتصاد الإسرائيلي، وعدم قدرة الشعب الإسرائيلي على تصور فترات هدوء، والانهيار الاقتصادي المحتمل في ظل بوادر واضحة في مختلف القطاعات، وأبرزها التكنولوجيا والسياحة، والديكتاتورية المتصاعدة والتحول نحو حكم الفرد والتفوق اليهودي ـــــــ مصدر الفاشية ــــــــــــ والتدهور البيئي جراء الاكتظاظ السكاني”.
في تاريخ كل الشعوب عندما تنتهي حرب، يُغلق الملف وتبدأ في البحث عن مستقبل مختلف إلا إسرائيل عندما تنتهي الحرب تذهب الى الخوف من القادم والى الانشقاقات والتشرذم وكشف الحساب وقلق حرب مؤجلة وعملية مطاردة المشروع النووي الايراني كمطاردة ارنب في العشب او القبض على تمساح في بحيرة وحل وحسب صحيفة واشنطن بوست امريكا واسرائيل تلعبان مع ايران لعبة ضرب الفأر ــــ لعبة القط والفأر .
حرب اسرائيل لا تنتهي بوقف اطلاق النار ولا بالهدنة بل تبدا في حرب آخرى مع نفسها وكل حروب اسرائيل فرخت حروبا جديدة: 1948، و1956، و1967، حرب الاستنزاف مع مصر من مارس 1968 الى 8 اغسطس 1970 و1973، حرب 1982 لبنان، 2006 ــــــــــ 2024 لبنان، 2023 حرب طوفان الاقصى المستمرة، 2025 ايران.
وحسب الكاتب روجل أفرد إن إسرائيل تبدو من الخارج شجرة متينة واقفة لكنها على جذور خاوية. لو لا الاستغاثة وطلب النجدة من امريكا في حربها مع ايران لانهارت في شهور امام حرب استنزاف مدمرة مع عدو يعيش في حصار منذ عام 1979 وتكيف مع الازمات.
البروفسور جون جوزيف ميرشايمر هو عالم سياسي وباحث علاقات دولية واستاذ جامعي امريكي حدد أربع ورط لا مخرج منها لاسرائيل:
“الأول: أن تصبح إسرائيل الكبرى ديمقراطية، وهو الأمر الذي لن يحدث لأنها لن تصبح دولة يهودية في حال تحقق ذلك.
الثاني: حل الدولتين، وهو الأمر الذي لم يعد ممكن الحدوث بعد أحداث السابع من أكتوبر وحتى قبله.
الثالث: الفصل العنصري، وهو الأمر القائم في الأساس في الوقت الحالي.
الرابع: التطهير العرقي، والذي يعني القضاء على الفلسطينيين المتواجدين في الأراضي المحتلة كليا وتمكين الإسرائيليين فيها. وعكس كل ذلك انتهت الى دولة منبوذة وعاجزة عن الدفاع عن نفسها وفي طريق مغلق”
لا يزال الطريق طويلاً أمام إسرائيل ولا تستطيع القوة العسكرية مهما بلغت من العنف والوحشية ولا مع أقوى الحلفاء أن تبقيها واقفةً دائماً. حتى الحلفاء لهم مصالح ولم يعد في استطاعة هؤلاء الحلفاء تغطية الوجه البربري ولا تبرير جنون الجيش الأقذر أخلاقية في العالم.
العرب يحسبون نتائح الحروب في الميدان في احصاء الخسائر والقتلى وهذه طبيعة العقل الفروسي من تاريخ وتراث معارك الصحراء. لا تنتهي الحروب اليوم بهذه الصور المبسطة المختزلة،
في إسرائيل وحدها عندما تنتهي حرب، تبدأ حروب داخلية لا نراها نحن بل نرى صورة مزيفة عن نهاية حرب من صنع وسائل الاعلام والدعاية ومؤسسات الحرب النفسية ولا تنفع تغريدات الرئيس الامريكي المتناقضة والمخزية الذي حوّل فريقه الى” ببغاوات” يرددون ما يريد و فريق تنظيف ينظفون خلفه.
حتى الغرب السياسي ــــــــــــ تمييزا عن الغرب الثقافي والفكري ــــــــــ فضحته اسرائيل امام شعوب العالم والحقت بسمعته اضرارا لا ترمم بسنوات عندما كانت شرائح من دول ما يسمى العالم الثالث مغرمة بالنموذج الغربي للديمقراطية التي اتضح انها لا تشمل الشعوب غير الاوروبية.
كيف يستطيع العربي رؤية” الوجه الآخر الخفي” لاسرائيل اذا كان هو لا يستطيع من الدوامة والضياع والحصار وقسوة النظم، رؤية الوجه الخفي لمصيره ومستقبله القادم؟