كتاب وشعراء

كلما ركضتُ، تأخرتُ أكثر……بقلم محب خيري

كلما ركضتُ، تأخرتُ أكثر
كبرتُ،
لا كما يكبرُ العشبُ في حقلٍ نائم،
بل كما تنفجرُ البذورُ في فرنٍ مغلق.
في الطفولة،
كنتُ أعدُّ الأيامَ على أصابعي
كمن ينتظرُ خبزَ العيد،
ولم أكن أعرفُ
أن الغدَ،
ذئبٌ بفراءٍ ناعم.
مشيتُ كثيراً
لكن الأرضَ لم تتحرك،
الخطى كانت تتبخرُ من جلدي
كعرقِ الفقد.
يا إلهي،
لم أكن أريدُ أن أكبرَ هكذا،
كمن يُلقى بهِ من قطارٍ
نسِيَ أن يتوقف.
الزمنُ
لم يُمهلني أن أرتّب حقيبتي،
لم يتركني أودّع ملامحي القديمة،
ولا أن أُخبئ لعبتي في جيب القلب.
استيقظتُ
ووجدتُني رجلاً
بملامحَ لا أذكرُ كيف رسمتها،
بذكرياتٍ لا أعرفُ متى اختنقت،
بأحلامٍ تجلسُ في الزاوية
وترتدي ثيابَ الحداد.
العمرُ
جاء دفعةً واحدة،
كالجنودِ العائدين من الحرب
بلا أسلحة،
بلا ابتسامات.
أحملُ داخلي
مواسمَ لم تنضج،
حكاياتٍ توقفتْ في المنتصف،
وأعياداً كانت تترددُ أن تزورني.
وكلما حاولتُ أن أعود،
وجدتُ الطفولةَ
معلقةً على حبل غسيلٍ
جفّت منها البراءة،
وسرقها الهواء.
هذه ليست الرحلةُ التي حلمتُ بها،
كنتُ أريدُ أن أمشي على مهل،
أن أبلل قدمي بالحنين،
أن أتذوقَ أعماراً صغيرة
كأنها قصائدُ قصيرة،
لا أن تُلقى في حلقي
كسيلٍ جارف.
الآن،
أجلسُ على رصيف العمرِ
أعدّ التجاعيدَ
كما كنتُ أعدّ الأيام،
لكن الفرق
أن الزمنَ
هو من يبتسمُ الآن،
لا أنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى