سيد كراويه يكتب : الثورة فى الشارع محتاجة ترويض واحتواء ثم انقضاض

يقينا كان الميدان منذ الخامسة من مساء 28 يناير 2011 يعلن عن ثورة وانقلاب فى صورة مزدوجة فى نفس الوقت ، والذى وعاه الإنقلاب أن الثورة فى الشارع محتاجة ترويض واحتواء ثم انقضاض . لايوجد فى علم الإجتماع السياسى ثورة بلا ثورة مضادة فى نفس الوقت ، ولايوجد أيضا أنقلاب لاتستدعيه حالة المجتمع السياسى باضطراباته وانقساماته وعدم تماسك وانسجام مكوناته ، فعندما يعجز المجال السياسى عن حل أزمته فيفتح الباب واسعا لقوى من خارجه ، فمن أول لحظة كانت تفاعلات الثورة والإنقلاب تتفاعل ، وقوى الثورة تدع قوى الإنقلاب تنفذ لها مهامها وواجباتها ، والعكس بالعكس فقد تركت قوى الإنقلاب لقوى الثورة تنفيذ بعض مهامها ( أما السبب ولماذا كان هذا الوضع المعقد فهذا موضوع آخر ، وأكثر عمقا فى تحليلاته ) . فمنذ تشققت سلطة البيروقراطية البرجوازية التى هيمنت منذ أواخر الخمسينات فى مصر ، ونضجت عبر خطاب التحرر الوطنى ، وتكوين مؤسساته وكياناته عبر خطاب التحرر الوطنى ، والدولة الوطنيىة التسلطية ، ومنذ سياسات التمصير بعد العدوان الثلاثى ، وتكوين الهيئة الإقتصادية التابعة لرئاسة الدولة ، وتطوراتها ، فأصبحت قوى البرجوازية البيروقراطية لها بنية وجذر ، تطورت فى القطاع العام وسياسات التوظيف بكل مزاياها للطبقة المتوسطة المصرية وقيادتها فى مجمل الإقتصاد المصرى ، ولما جاءت لحظة استقرار للنظام السياسى ، وبدأت تململ شرائح الطبقة تظهر فى بنية الحكم والسلطة ، وجاءت كارثة 67 فى وقت هذه الصورة الهشة للنظام ، الذى أراد أن يعالج القلاقل التى تحيط باستمراره ، وبدلا من خطاب التحرر الوطنى لدولة وطنية مرتبكة ، تقهقرت لدولة تبدأ من جديد بالجدل مع أوضاع أزمة وطنية ، وأراضى محتلة ، ، وفى الحقيقة كانت الأزمة الوطنية أزمتان ، أزمة السلطة وهيمنتها واستقرارها التى لايمكن استعادتها الا بتحرير الأرض ، وأزمة مجتمع أدرك مدى هشاشة وضعف سلطة كلية الجبروت واهتزاز الثقة فى قيادات تاريخية كاريزمية ، فى هذه اللحظة قادت سلطة السادات محاولة حل الأزمة بوعى أنها ازمتان ، أزمة احتلال تحط من هيبة السلطة ، وأزمة مجتمع سماها هو بنفسه تفسيرا لإضرابات عمال حلوان وشبرا الخيمة وطلبة الجامعات وتململ النقابات المهنية ( محامين ومهندسين وصحفيين )سماها تمرد على 23 يوليو ، فأعاد السادات بناء تحالفاته الإقليمية والدولية ودخل فى مغامرة الإتفاقيات المنفردة لإستعادة الأرض ، وبناء خطاب يستعيد للخطاب ” الدولتى ” تعبيراته وبنائه الإيديولوجى ، وفى نفس الوقت الحذر ومحاولة الإلتفاف على الشارع السياسى الذى أفاقته كارثة 67 . المهم أن السلطة وبنية مؤسسات الحكم وتعيبيراته المؤسسية والشخصية بدأت تهتز بحكم السياسات الجديدة ، وأنتعشت شرائح البرجوازية المصرية ، وجناحها التجارى ، والكمبرادورى ، وتكونت جيوب وأجنحة سياسية حتى داخل ماسمى بالجهات السيادية التى تحكم وتملك أجهزة العنف ، وبدأت ضغوط ادخال البلاد فى هيكل الإقتصاد العالمى ، ولما ووجهت محاولة السادات طبقا لمنهج الصدمات الذى كان يفاخر به فى يناير 77 ، وكان رد الفعل الشعبى هائلا ، ومارس الشارع السياسى وقتها قمعا لقرارات اقتصادية صادمة ، لكنه لم يكن يملك القدرة تنظيميا ولا برامجيا لإسقاط مجمل السياسة الإقتصادية للطغمة الساداتية ، والتى ظلت درسا استوعبه مبارك ، فى اتباع سياسة القصور الذاتى حتى يتلاشى الغضب الشعبى ، ولكن مع استمرار نفس السياسة فى العمق . واستوعبت السلطة أزمتها سياسيا واقتصاديا ، فحاول النظام يحيط نفسه بتشكيلات أشبه بالعصبة ، سميت رجال جمال مبارك ، مع بعض الحرس القديم الذى قبع فى قيادة الحزب والإعلام ، والإعتماد على الداخلية فى قمع الشارع ، وبالطبع تكونت طغمة من برجوازية الأتباع والمنتفعين فى قمة السلطة والحزب والمؤسسات ” التشريعية ” فيما سمى الإقتصاد الزبونى والمحاسيب . بالطبع هذه الأوضاع أفقدت البيروقراطية قوتها وهيمنتها ، ومن ضمن قوى البيروقراطية الأجهزة التى تملك القوة والسلاح ، فطبيعى أن الإنقلاب المصاحب للثورة منذ بدايات 28 يناير ، أن يتولى تهيئة الأوضاع للإنتصار لمكونه الطبقى ، ولكن هذه المرة ليس لبيروقراطية ذات قلب صلب من الجيش ، والتكنوقراط خارجه ، والبيروقراطية الإدارية ، لتصبح السلطة الفعلية فى نهاية الأمر سلطته ، يمارسها بأجهزته ، وآيدولوجيته ، وخياله ، وصورته عن نفسه وعن العالم ، فالإنقلاب ليس هو الذى استدعى الثورة سنة 2011 ، ولا الجماهير هى التى استدعت الإنقلاب 2013 ..