فيس وتويتر

سيد كراويه يكتب : الثورة فى الشارع محتاجة ترويض واحتواء ثم انقضاض

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

يقينا كان الميدان منذ الخامسة من مساء 28 يناير 2011 يعلن عن ثورة وانقلاب فى صورة مزدوجة فى نفس الوقت ، والذى وعاه الإنقلاب أن الثورة فى الشارع محتاجة ترويض واحتواء ثم انقضاض . لايوجد فى علم الإجتماع السياسى ثورة بلا ثورة مضادة فى نفس الوقت ، ولايوجد أيضا أنقلاب لاتستدعيه حالة المجتمع السياسى باضطراباته وانقساماته وعدم تماسك وانسجام مكوناته ، فعندما يعجز المجال السياسى عن حل أزمته فيفتح الباب واسعا لقوى من خارجه ، فمن أول لحظة كانت تفاعلات الثورة والإنقلاب تتفاعل ، وقوى الثورة تدع قوى الإنقلاب تنفذ لها مهامها وواجباتها ، والعكس بالعكس فقد تركت قوى الإنقلاب لقوى الثورة تنفيذ بعض مهامها ( أما السبب ولماذا كان هذا الوضع المعقد فهذا موضوع آخر ، وأكثر عمقا فى تحليلاته ) . فمنذ تشققت سلطة البيروقراطية البرجوازية التى هيمنت منذ أواخر الخمسينات فى مصر ، ونضجت عبر خطاب التحرر الوطنى ، وتكوين مؤسساته وكياناته عبر خطاب التحرر الوطنى ، والدولة الوطنيىة التسلطية ، ومنذ سياسات التمصير بعد العدوان الثلاثى ، وتكوين الهيئة الإقتصادية التابعة لرئاسة الدولة ، وتطوراتها ، فأصبحت قوى البرجوازية البيروقراطية لها بنية وجذر ، تطورت فى القطاع العام وسياسات التوظيف بكل مزاياها للطبقة المتوسطة المصرية وقيادتها فى مجمل الإقتصاد المصرى ، ولما جاءت لحظة استقرار للنظام السياسى ، وبدأت تململ شرائح الطبقة تظهر فى بنية الحكم والسلطة ، وجاءت كارثة 67 فى وقت هذه الصورة الهشة للنظام ، الذى أراد أن يعالج القلاقل التى تحيط باستمراره ، وبدلا من خطاب التحرر الوطنى لدولة وطنية مرتبكة ، تقهقرت لدولة تبدأ من جديد بالجدل مع أوضاع أزمة وطنية ، وأراضى محتلة ، ، وفى الحقيقة كانت الأزمة الوطنية أزمتان ، أزمة السلطة وهيمنتها واستقرارها التى لايمكن استعادتها الا بتحرير الأرض ، وأزمة مجتمع أدرك مدى هشاشة وضعف سلطة كلية الجبروت واهتزاز الثقة فى قيادات تاريخية كاريزمية ، فى هذه اللحظة قادت سلطة السادات محاولة حل الأزمة بوعى أنها ازمتان ، أزمة احتلال تحط من هيبة السلطة ، وأزمة مجتمع سماها هو بنفسه تفسيرا لإضرابات عمال حلوان وشبرا الخيمة وطلبة الجامعات وتململ النقابات المهنية ( محامين ومهندسين وصحفيين )سماها تمرد على 23 يوليو ، فأعاد السادات بناء تحالفاته الإقليمية والدولية ودخل فى مغامرة الإتفاقيات المنفردة لإستعادة الأرض ، وبناء خطاب يستعيد للخطاب ” الدولتى ” تعبيراته وبنائه الإيديولوجى ، وفى نفس الوقت الحذر ومحاولة الإلتفاف على الشارع السياسى الذى أفاقته كارثة 67 . المهم أن السلطة وبنية مؤسسات الحكم وتعيبيراته المؤسسية والشخصية بدأت تهتز بحكم السياسات الجديدة ، وأنتعشت شرائح البرجوازية المصرية ، وجناحها التجارى ، والكمبرادورى ، وتكونت جيوب وأجنحة سياسية حتى داخل ماسمى بالجهات السيادية التى تحكم وتملك أجهزة العنف ، وبدأت ضغوط ادخال البلاد فى هيكل الإقتصاد العالمى ، ولما ووجهت محاولة السادات طبقا لمنهج الصدمات الذى كان يفاخر به فى يناير 77 ، وكان رد الفعل الشعبى هائلا ، ومارس الشارع السياسى وقتها قمعا لقرارات اقتصادية صادمة ، لكنه لم يكن يملك القدرة تنظيميا ولا برامجيا لإسقاط مجمل السياسة الإقتصادية للطغمة الساداتية ، والتى ظلت درسا استوعبه مبارك ، فى اتباع سياسة القصور الذاتى حتى يتلاشى الغضب الشعبى ، ولكن مع استمرار نفس السياسة فى العمق . واستوعبت السلطة أزمتها سياسيا واقتصاديا ، فحاول النظام يحيط نفسه بتشكيلات أشبه بالعصبة ، سميت رجال جمال مبارك ، مع بعض الحرس القديم الذى قبع فى قيادة الحزب والإعلام ، والإعتماد على الداخلية فى قمع الشارع ، وبالطبع تكونت طغمة من برجوازية الأتباع والمنتفعين فى قمة السلطة والحزب والمؤسسات ” التشريعية ” فيما سمى الإقتصاد الزبونى والمحاسيب . بالطبع هذه الأوضاع أفقدت البيروقراطية قوتها وهيمنتها ، ومن ضمن قوى البيروقراطية الأجهزة التى تملك القوة والسلاح ، فطبيعى أن الإنقلاب المصاحب للثورة منذ بدايات 28 يناير ، أن يتولى تهيئة الأوضاع للإنتصار لمكونه الطبقى ، ولكن هذه المرة ليس لبيروقراطية ذات قلب صلب من الجيش ، والتكنوقراط خارجه ، والبيروقراطية الإدارية ، لتصبح السلطة الفعلية فى نهاية الأمر سلطته ، يمارسها بأجهزته ، وآيدولوجيته ، وخياله ، وصورته عن نفسه وعن العالم ، فالإنقلاب ليس هو الذى استدعى الثورة سنة 2011 ، ولا الجماهير هى التى استدعت الإنقلاب 2013 ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock