كتاب وشعراء

طفلةُ الحرير .. شعر : سما سامي بغدادي

طفلة الحرير

قفزت منّي ناصيةُ الفجر،
تمددتُ بقرب الضياء،
أصغي للحزن وهو يولدُ ببطء…
كأنّه نايٌ قديم يهمس لغة الصمت،
كأنه غيمةٌ مثقلة
تتعلّم البكاء للمرة الأولى.
من سيلملم هذا الحزن من حولي؟
من يمدّ يده.. يسعف الروح المنسية في داخلي؟
تلك الطفلة لم تشيخ
لا تزالُ تحبو.. تنتظرُ عناقاً من كفّ الغيم..
الريح بدت لي آثمة….
المطر مذنب…..
الرعد شاهدٌ يلوذ بالصمت..
لِانتحار النبوءة في داخلي!..
في رأسي ثقبٌ أسود
لكن عيناي مازالت تطلّ على شجرةٍ،
تُزهرُ في روحي رغم الدخان..
جدارُ الصبر يرتعش،
لكنه لا يسقط..
من سيضمّ الصغيرة المنسية في داخلي؟
بكفٍ صنعتها من قطن الأمنيات،
بصوتٍ مبحوحٍ من آخر الأحزان،
ليغني أغنيةَ الأبدية.

أبقي عينيّ مفتوحتين،
أراقب الأزاهير وهي ترتل
كألفاظٍ صامتة في فمِ أبكم،
تزهر فيها لغةُ الجلنار
حين تُهامس الطلوع..
انفردتُ في مرآة الليل
أقفز من ظلي إلى السماء
وأترك قلبي يرتّق الليلَ
بخيوط النور الفضية،
وأحمل الريح في صدري
كأنه رسالةٌ من الله.

ذاكرتي…
رواقٌ يمرُّ فيه طيفُ يقين،
أضع له زهرةً كل مساء،
وأُضيء له الطريق.

أنا اليوم، أنا الأمس،
نُمسك يد بعضنا
نناظر الأفق..
لم يعد الضباب غريماً،
صار ودوداً
يحمل عطر الياسمين.

تحوُّلات…
ما عادت جراحًا
غدت أبواباً تُفتح على حدائق الروح،
طفلةُ الحرير في داخلي
تستيقظ كل صباح…
تُحضّر فنجانَ أملٍ برغوة من الصبر
تقدّمه لنفسي المُتعَبة.

لو سألْتَني: بِمَ أُشعر؟
أُشعر أن الحب ليس عبوراً
بل إقامة،
ليس احتياجاً بل ارتقاءً.
أُشعر أن قلبي، وإن كان مثقوباً،
فَفي خفقه النائي،
نِثارُ النجومٍ ، انين العتمة.

القصيدة التي أكتبها
ليست نشيجاً،
إنها محاولةٌ لبناء وطنٍ صغير
يستبيحه الرجاءُ والنورُ والنوارسُ،
مكتظٌّ بأهازيج الشمس،
وحُزمٌ سرمدية من ضوء القمر،
من أغنيات العصافير
حين تستحمّ بنسيم أول الغَبَش.
من عالم حنون منسي في آخر الأَقصاء..
أنظر في المرآة…
أبتسم.
أُحادثُ مدينتي المهجورة في قلبي
أزرع قمح الاحتمال في ملامحي
وأنتظر الحصاد.!

سما سامي بغدادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى