كتاب وشعراء

قهوتي..وأنتِ/للشاعر زيد رشيد

“قهوتي.. وأنتِ”

نصٌّ يقطّر دفئًا بين فنجانين

المكان : مقهى قديم
الزمان : صباح شتائي ممطر.

ثمّة مقاهٍ لا تُشرب فيها القهوة
بل يُحتسى فيها العمر…
كما وثمة امرأة كلّما تأخّرت
أزهرت الطاولة عطراً وانتظار

إلى التي…
لم تأتِ تمامًا
لكنها جاءت من حيث لا يُتوقّع الحضور…
إلى عطرها الذي سبقها
وظلّها الذي جلس مقابلي
وذكرى غيابها التي ملأت المقهى…

“وهكذا..
كُتبت الحكاية،
لا بالحبر، بل بالحنين.”
.
.
.
.
.
‏ذات فجرٍ مُبتلٍّ ،
بحنينٍ قديم ،
دخل هو إلى المقهى ،
كمن يدخلُ طقوسَ اعترافٍ سرّي ..

جلس على الطاولة رقم (سبعة)
ذات الطاولة
التي شهدت على تقلبات قلبه
أكثر من كل نساء المدينة ..

أخرج دفتره
ورمى عليه نظراتٍ مليئةً بالخسارات
وكتب أول سطر
“هي التي لم تأتِ …
لكنها ملأت المقعد المجاور بعطرِها ،
وجلستْ في قهوتي دون استئذان” ..

أشعل سيجارته لا ليُدخِّن ،
بل ليشعر أنّ شيئًا يحترق سواه ..

كأنّه يحاول أن يتذكّر طعم صوتها ،
أو كيف كانت تمشي كأنّ الأرض تُحبّ خطواتها ..

ثم قالت له النادلة ،
وكأنها تقرأ عينيه ،
“أهي التي تنتظرها كل صباح؟”
أومأ دون أن يرد ،
فالأنثى التي يعشقها لا تُذكر باللسان ،
بل تُصلى في القلب ..

وفجأةً
فتحت الباب
ودخلت كغيمةٍ نادمةٍ على تأخّر المطر
كأنّها تعتذر من كل لحظةِ قلقٍ نسجها لأجلها ..

ابتسمتْ…
وجلستْ…
وكأن العالم اختصر كل جنونه ،
بين فنجانين ونظرتين ..

وهنا، بدأت الحكاية تُكتَب بينهما … بالشعر ..

اومأ قائلا ،

أبحثُ عنها في فنجاني ،
في ظلّ غيومٍ تتكسّرْ ..
في رائحةِ قهوةِ فجري ،
تتنفّسُ أنثى لا تُنكرْ ..

فردت قائله ،

قد جئتُ إليكَ بلا موعدْ ،
والشوقُ على وجهي يُسفِرْ ..
في بالي قُبلةُ عينيكَ ،
تُسكتُ نبضي إلى إنْ تَسحرْ ..

رد قائلا ،

كُنتُ أراكِ على أهدابي ،
ضوءًا من شَمسٍ يتَكسّرْ ..
ويذوبُ الحرفُ إذا جئتِ ،
ويثورُ الحبرُ ليُخَبّرْ ..

فقالت ،

أنا عطشى .. كزُهورِ النَومِ ،
لقُبلةِ صبحٍ يتفجّرْ ..
إن شئتَ ، أغنّي في صمتكْ ،
وأنامُ على جفنٍ يُسهرْ ..

رد بشجن ،

تعالي نتركُ هذا الوقتْ ،
ونعودُ لحُلمٍ لا يُكسرْ ..
يدُكِ بيدي .. والكونُ أنا ،
وأنتِ الدفءُ إذا ما أُجهرْ ..

فختمت برقةٍ ،

أتيتُك لا تسألْ كيف ومتى ،
ولا من أيّ دربٍ أسفَرْ ..
كأنّ المقهى من عينيكْ ،
وكأنّك قهوتي الأجمرْ ..

أسهم عينيه بعيدا وهمس
إليكِ —
هذا الدفتر الذي كتبته عنكِ
كأنني أكتب لكِ
وكأنكِ ستقرأين

في كلّ صباحٍ يشبهكِ
كنتُ أدخلُ المقهى
كنتُ أبحثُ عنكِ
بين دخان سيجارتي
بين رفّة الستارة حين تمرُّ نسمةٌ لا تحملكِ…

لم تكوني هناك،
لكنّكِ كنتِ في كلّ شيء.
وهذه الصفحات…
ليست نصوصًا
بل محاولاتٌ فاشلة
لا أعرف إن كنتُ كتبتُها حقًا،
أم أنها كانت تكتبني بين فواصل الصمت.

كانت تجلس في المقعد المقابل
تترك أثر شفتيها على الفنجان،
وتنسى حقيبتها
لم تأتِ يومًا بكامل حضورها،
لكنها جلست في قهوتي دون استئذان،
وتركت لي عطرًا لا يفنى،
ورسالةً مطوية تحت الفنجان:
أنا أيضًا كنتُ أبحث عنك
لكنني خفتُ أن تجدني

وما زال النادل لا يمسح الطاولة رقم (٧)…
لأن هناك عاشقًا يعود كلّ صباح،
يشرب قهوته وينتظرها
ويعلم يقينا انها…….
كانت هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى