نزف في محراب الحرف/للشاعر فاهم المدني

”نزف في محراب الحرف”
عندما يبوحُ قلمي
لا يكتب..
بل يعرّي النبضَ من جلده
يسكبني كجملةٍ تُحترق على طرف المعنى
ويكسرُ اللغةَ لتسيل من بين أنفاسه
رعشةُ قلبٍ يكتبُ لأنه لا يَسَعُهُ الصمت.
البوحُ ليس اختياراً
هو ارتعاشُ الحبرِ حين تختنق الروح
هو لحظةُ انكسارٍ تفتح نافذةً
بين الداخل والمكتوب
وحينها
يصبح القلمُ نَفَساً
ويغدو الورقُ صدراً
يبكي عليه النصّ دون خجل.
أتذكّر…
حين أمسكتُ القلم أول مرة
كنتُ أكتب لأتجمّل
لأقنع العالم أني بخير
لكنّي الآن
أكتبُ كي أشفى
كي أنجو
كي أتعرّى كحقيقةٍ في مرآة لا تكذب.
قلمي لا يعرف الكذب
هو أصدقُ عاشقٍ التقيتُ به
يراني حين لا يراني أحد
يكتبني كما أنا:
بتصدّعاتي..
بجوعي للمعنى
وبخوفي من القصائد التي تعرفني أكثر مما أعرف نفسي.
حين يبوحُ قلمي
أشعر أني لا أملك سلطةً على الكلمات
أنني لست الشاعر
بل القصيدة نفسها
أُكتبُ على عجلٍ كاعترافٍ في منتصف الليل
كصلاةِ من لم يتعلّم الدعاء
إلا من أوجاعه.
كم مرة كتبتك؟
لا كاسمٍ أو ملامح
بل كحالةٍ تسكنني
كارتجافةِ حرفٍ حين يمرّ طيفك
فوق المعنى.
وكم مرة حاولتُ الهرب منك
فإذا بالحبر يعود إليك
كما يعود النهرُ إلى منبعه
يبوح بك
يفضحني بك
ويعذرني بك.
أتعرف متى يبوح القلم؟
حين تعجز اللغةُ عن الإخفاء
حين لا يبقى في الروح مكانٌ مغلق
حين ينهارُ الداخلُ كقصيدةٍ خذلها الوزنُ
فتكتُب نفسها حرّة…
دامعة…
حقيقية.
يا من تقرأني
إن أردت أن تعرفني
فلا تسأل عني
اقرأني.
فأنا في كل حرفٍ كتبتُه
كنتُ أصرخُ
وأتجمّل في آنٍ معًا.
عندما يبوحُ قلمي…
أكون أكثر من شاعر
أقلّ من نبي
أقرب إلى طفلٍ
يرسم حزنه بقلمِ رصاصٍ
ويخاف أن يُمحى.
فاهم المدني