د.محمد عبد الباسط عيد يكتب :الشكر في القرآن الكريم

الشكر في القرآن الكريم قرين الزيادة؛ فكل شكر زيادة في النعمة، والزيادة تحدث بمجرد الشكر؛ فأن تشكر يعني ببساطة أنك تعي وجود النعمة، فأنت الآن مثلا لا تعاني مرضًا، وهذه نعمة تحتاج إلى وعي بها، ولن يحقق لك ذلك الوعي غير الشكر…
الوعي بالشيء يعني قدرتك على رؤيته والتمتع به.. الوعي بالشيء إيجاد له، وقل مثل ذلك عن نعمة الأبناء والبيت والشبع..
الشكر رضا، والرضا امتلاء وطمأنينة..
والشكر نقيض النكر، والإنكار غياب والغياب قلق واضطراب، وكل إنكار تجاهل للنعم الموجودة وتغييب لها، وكل إنكار فقر وخصم، لا زيادة مع الإنكار، رغم أنه يدفعك دفعًا نحو تملك المزيد من الأشياء، لا زيادة مع نفس لا تشبع ولا ترضى، فكل شيء تملكه لا يرضيك ولا يغنيك، وهكذا في مسار طويل تتكاثر فيه الأشياء المملوكة ويغيب الوعي بها، تغيب الزيادة.. يغيب الشكر.
الغني اسم من أسماء الله المباركة، الغني مستغن بنفسه، الغنى اكتمال وبهاء وعظمة.. والغنيٌّ -كما تعلم -غير الثري، قد تملك الأشياء وتصبح ثريا، ولكنك لا تعرف نعيم الشكر؛ فنفسك تنازعك إلى مزيد من التملك، وهكذا…
بعض الأثرياء فقراء، وكل الأغنياء أثرياء بالضرورة.
كانت العرب قديما تصف المرأة الجميلة بالغانية، وهم يقصدون الجمال الصافي، الجمال الذي ينبعث من الداخل وليس من الملابس والحلي، كانوا يقصدون معنى عميقا من معاني الجمال…
كان امرؤ القيس كثير الكلام عن الجميلات ومفاتنهن، ولكنه رأى المرأة التي عشقها نورا يضيء له مسارب الظلمة، كانت غانية بلاشك..
في الصباح قابلني مسكين، أعطيته مبلغًا بسيطا كان معي، وفي عودتي رأيته يحنو على فقير آخر يعطيه جزءا مما أعطيته.. اقتربت منه، وحين رآني مبتسمًا قال لي:
ولئن شكرتم لأزيدنكم..!
فكرت في المعنى وفي القسم المضمر في بنية الكلام، وفي نون التوكيد، وقلت إن كل شكر زيادة وكل زيادة شكر، بل قل: إن كل شكر تحرر وكل تحرر امتلاء، وفي المقابل فإن كل إنكار خضوع وكل خضوع فقر وكل فقر إذلال..
عدت إلى بيتي، سمعت مجذوبا يصيح قبيل الصلاة: اشكر الله..!
فكرت في الفقراء الذين يحرسون هذا المجتمع، ويشدونه بحبال غير منظورة من العطف والرفق والشكر…. وقلت: الله رحيم بعباده..!