شجرة نفسي….قصه قصيره بقلم محمد الصباغ

راعني أني رأيته يذبل ، ويتحول من قمة النضج والتوهج والتواجد في كل مكان من حوالنا في الحياة إلى الذبول والتلاشي ، فحيثما كنا نذهب كنا نجده ، وعندما نسبق بإبداع نجده يسبق ، وكان في قصص حبه أعظم وأفرد وأبهج وأسعد ، ولكني أخيراً وجدته يذبل ، ولم يكن المرض الذي يفترس البشر قد حل به بعد ، فقد افترسه شيء غامض قبل أن يفترسه المرض الذي يأكل البشر ، ويمسخ ملامحم وهو يأكلهم ، وقد بدا ليّ ممسوخاً ، ودون أن أشعره أني أراه ممسوخاً ، قلت له : كأني أراك تفتح فتحاً جديداً من فتوحك في الحياة ، وتبدأ عهداً جديداً من نشاطك ، أو كأنك الآن ترافق فتاة صغيرة ، تعيد لك ومعك بداياتك في حياة الإنطلاق وشغل أكبر حيز ممكن في الوجود وفي الفراغ .
فقال بأسي : ” بل على العكس ، فإني أعف الآن الحياة وأنا الآن أذبل وأتلاشى ” .
– ربما أنت الآن في حالة تأمل ، بين ما مضى منك وما هو آت لك ؟! .
— ” بمثل رمية زهر خاسرة نخسر الحياة ، ويضيع ما كان لنا وكأنه الحق الراسخ الوجود ، بعد تكرار خسارات متتالية مؤلمة ؛ بدا ليّ الآن عندما أصبح لديّ متسع للتأمل في حياتي الماضية ؛ بعد أن مِت إلا قليلا وعشت كثيراً إلا قليلا ؛ بدا ليّ : كيف تحققت آلامي وكيف تجمعت خسارتي الكبيرة ؛ التي جعلتني مفلساً مادياً ووحيداً وبلا رفيق ؟!” .
– أنت بكل ما صنعت في الحياة وأنت مازلت شاباً حتى الآن تقول عن نفسك هذا ؟! .
— “الذبول مصير كل حي ؛ كان ذلك في البدء يلوح ليّ ، كأنه عار وكأنه عورة ، ثم بدا فجأة ودون تفسير داخلي لما حدث ؛ بدا ليّ وكأنه ؛ كأنه مصير لآخر يظهر حلماً ويتجسد واقعاً ؛ مؤكداً ليّ ؛ أني ذبلت ، وربما سقطت وانفصمت عن “شجرة نفسي” التي كنت أنا ذاتي ثمرها وورقها وغصنها وجذرها .
– ولو كان ما فرضته صحيحاً ، بعد أن قل انتاجك ، لكن انتاجك الذاتي متجدد ، متجدد من ذاته ، ولم يفنى ، ويواصل عطاءه ذاتياً ، أنت طاقة نظيفة متجددة لا تفنى يا أستاذ .
لاحظت الدمع في عينيه وهو يقول بعد أن أمسك يدي بيده يصنع سلام الوداع :
— ” عندما سافرت في الدنيا لأستجمع ما يمكن أن أقدمه للحياة ولأصدقائي ، وقت الفتوة في الحياة لم أبالي بما يمكن أن أخسر . الآن أجدني أني خاسر دائم عظيم ؛ فقد دفعت ثمن تذاكري من دمي ومن أيامي ومازلت رغم كثرة ما سافرت وما أنفقت ، وما قطعت لم أبرح مكاني بعد !! في انتظار أن ينقلني الموت دون دفع مني ، لمحطة نسياني في الموت ” .