شوشو.. أسطورة الكوميديا والمسرح الوطني في لبنان

في ذاكرة المسرح اللبناني، لا يمكن أن يُذكر اسم “شوشو” دون أن تلمع الابتسامة على وجوه محبيه. هو الفنان المسرحي الكوميدي حسن علاء الدين، الذي حمل البسمة والرسالة في آنٍ واحد، فصار أيقونة للبهجة الممزوجة بالنقد الاجتماعي اللاذع.
ولد شوشو في 26 فبراير 1939 بمدينة بيروت، ليشق طريقه في عالم الفن حتى بات من أعمدة المسرح اللبناني، ومن أبرز من قدموا الكوميديا النقدية الهادفة. ورغم رحيله المبكر في 2 نوفمبر 1975، ما زالت أعماله حاضرة في وجدان الجمهور العربي، وخصوصًا اللبنانيين الذين احتضنوا موهبته الفريدة.
النشأة والبدايات
بدأ شوشو مسيرته في فرقة شباب هواة، لكنه وجد طريق الشهرة الحقيقي عندما التقى الفنان محمد شامل عام 1965، ليحل محل صديقه الراحل عبد الرحمن مرعي في الأعمال الإذاعية. لم يكن اللقاء فنيًا فحسب، بل عائليًا أيضًا، إذ تزوج من ابنة محمد شامل.
تميز شوشو بمظهره الكوميدي الفريد: شارباه الطويلان، جسده النحيل، ملابسه غير المتناسقة، وصوته التهكمي الذي كان يجسد من خلاله نقدًا اجتماعيًا لاذعًا، متخفيًا خلف قناع السخرية.
المسرح الوطني اللبناني.. مشروع العمر
في 11 نوفمبر 1965، أسس شوشو مع المخرج نزار ميقاتي المسرح الوطني اللبناني، الذي أصبح مع الوقت منبرًا للكوميديا الساخرة والمسرح السياسي والاجتماعي. كانت المرحلة الأولى من المشروع (1965-1970) بقيادة ميقاتي كمخرج ومؤلف، أما المرحلة الثانية (1970-1975) فشهدت أوج تألق شوشو وفرقة المسرح الوطني.
في هذه الفترة، قدّم شوشو أعمالًا مستوحاة من موليير مثل:
البخيل ومريض الوهم
كما قدم أعمالًا أخرى مثل:
توباز لـمارسيل بانيول
آخ يا بلدنا التي أخرجها روجيه عساف عن أوبرا القروش الأربعة لـبرشت
خيمة كراكوز للكاتب فارس يواكيم
وشهد المسرح الوطني تكوين كوكبة من نجوم المسرح اللبناني، منهم:
إبراهيم مرعشلي وماجد أفيوني وأماليا أبي صالح وفريال كريم وشفيق حسن ومرسيل مارينا وغيرهم.
السينما.. حضور لافت رغم قلة الإنتاج
رغم تركيزه على المسرح، لم يغب شوشو عن الشاشة الكبيرة. شارك في عدة أفلام منها:
شوشو والمليون ويا سلام ع الحب ومغامرات السعادة وسلام بعد الموت وزمان يا حب وسيدتي الجميلة وفندق السعادة (بمشاركة أحمد رمزي وشمس البارودي وعبد المنعم إبراهيم)
التلفزيون والإذاعة.. مساحة للابتكار
في التلفزيون، شارك شوشو في عدة أعمال فكاهية مثل:
حلقات فكاهية والمشوار الطويل ويا مدير وشارع العز
أما في الإذاعة، فكان له حضور مميز في:
شوشو بوند وخلي بالك من شوشو
المسرحيات التي لا تُنسى
أبدع شوشو في مجموعة من المسرحيات التي حفرت مكانها في الذاكرة اللبنانية، ومنها:
شوشو بك في صوفر ومريض الوهم وشوشو عريس والدكتور شوشو وحيط الجيران وشوشو والقطة وشوشو والعصافير
وفاته المفاجئة.. وخسارة لا تُعوّض
رحل شوشو عن عمر يناهز 36 عامًا، إثر نوبة قلبية كما أشار الكاتب شفيق نعمة، تاركًا خلفه إرثًا مسرحيًا عميقًا يعبر عن آلام وآمال الشعب اللبناني في زمنٍ كان الوطن فيه يتخبط بين الحروب والأزمات.
تكريم بعد الرحيل
في 26 فبراير 2014، احتفى محرك البحث جوجل بذكرى ميلاد شوشو الخامسة والسبعين عبر وضع خربشة (Doodle) على صفحته الرئيسية، تقديرًا لهذا الفنان الذي أسعد أجيالًا وما زال يُلهم الفنانين حتى اليوم.
الختام
شوشو لم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل كان مدرسة قائمة بذاتها في النقد الساخر، وجعل من المسرح مساحة حقيقية للبوح السياسي والاجتماعي. في زمن الحرب والصراعات، كان هو ضوء الأمل الذي ينبت من بين الركام.