جمال غيطاس يكتب :عشنا وشَـفْـنـا: حكام عرب ماركة ” النتن واللودر”

أسوأ ما تمر به أوطاننا اليوم، أنه يتم صَكّ وتصنيع وسَبَاكَة ماركة جديدة من حكامها، هي ماركة “النَّتِن واللُّودر”، أو بعبارة أخرى حُكَّام على مقاس نَتَن تل أبيب ولُودر واشنطن، وبالأحرى ماركة نتينياهو وترامب ومساعديهما في أوروبا.
ماركة من الحُكَّام يجري صنعها وسَبْكُها تحت الضوء المبهر “عيني عينك”، أو “على عينك يا تاجر”، بلا مواربة ولا مداورة ولا محاورة، يعني ببساطة “على الفِرَازَة”. التبعية لديهم أنقى من بخار الماء، والخنوع لديهم أصفى من عسل نحل جبال اليمن، والبطش بشعوبهم ودينهم وتاريخهم وأمتهم أعتى وأشد مما فعل التتار ببغداد.
يَدخل في هذه الماركة حُكَّام قُدامى، يُعاد صهرهم وسَبْكُهم، وآخرون جُدُد يجري سلقهم على عين اللُّودر وربيبه النَّتِن.
لو تفحصت الأمور قليلاً، ستجد أن المواصفات الشخصية والسياسية والتقنية لهؤلاء الحُكَّام لا تخرج عن ثلاث هي:
1ـ أن الحاكم منزوع عنه إرادة المقاومة، نزعاً باتاً جذرياً لا مِراء فيه ولا شك.
2ـ أن الحاكم يرى خلاصه المطلق ومصالحه المطلقة في تبعيته المطلقة والخنوع المطلق حتى السجود إن تطلب الأمر، وبلا قيد أو شرط، للنَّتِن واللُّودر، ومن يرثهما من بعدهما.
3ـ أن الحاكم لا يملك رؤية أو خطة تنطلق من مصالح شعبه وأمته وتتعارض ولو بنسبة واحد في المليار مع رغبات النَّتِن واللُّودر، وآخر ما يمكنه الانطلاق فيه منفرداً حَفْر بالوعة في شارع، أو تنظيم حفل يتشبه فيه النساء بالرجال والعكس، أو شفط الأموال من جيوب الناس بنَهَم لا ينفد.
لو واصلت النظر لما يجري في المنطقة منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، ستجد الحُكَّام ماركة “النَّتِن واللُّودر” ليسوا سوى امتداد طبيعي للعشرات من أسلافهم، ممن تركوا جينات هذه الماركة جاهزة في دماء أبنائهم، ليعيد النَّتِن واللُّودر سَبْكها من جديد، ويصبحوا حُكَّاماً بعروش وكروش، يحكمون بحُمْق، ويوغلون في نذالتهم للعمق، ويتمطَّعون ويتبخترون في قصورهم ويصعرون خدودهم لشعوبهم، ناسين أن القاصي والداني، والطفل والأنعام في البرية، يعلمون تمام العلم أنهم ليسوا سوى وكلاء بلا إرادة، جهلاء بلا رؤية أو خطة، تابعين حتى لحس أحذية اللُّودر المجنون ومجرم الحرب النَّتِن.
استمر مجدداً في النظر، وستجد أن عملية “الصهر والسَّبْك” الجديدة قد نجحت نجاحاً باهراً على ضفاف الخليج، دون نقطة دم من رعايا النَّتِن واللُّودر، ويبدو أنها ستتم على النحو نفسه في سوريا، فيما تمت في جنوب لبنان بنهر من القلق والضجر والدم المتفجر من أحشاء الصهاينة، ولا تزال عصية في اليمن وغزة العِزَّة، وفشلت جولتها الأولى في إيران.
الآن وعلى الأجل القصير، العيون كلها تترقب… هل ستحدث عملية صهر وسَبْك مماثلة في مصر أم لا؟ وإن حدث -لا قدر الله- فمتى وكيف وبأي ثمن؟
على المستوى الشخصي، لدي يقين بأن وطننا سيكون على المدى الطويل عصياً على الصهر والسَّبْك من قبل النَّتِن واللُّودر أو من يرثهما أو يتبعهما، حتى وإن ابتلع أبناؤه الحصى ونزفوا الدم، وسيفعل ذلك بالقوة الذاتية لشعبه، قبل أي شيء آخر يطبل به المنافقون وخدم السلطة، فهذا الشعب أثبت عشرات المرات أنه لا يقبل أبداً بالدنية في دينه وحضارته وكرامته، حتى وإن ذاق مرارة الاحتلال لعقود مرة تلو الأخرى.
أقول في النهاية: لن يخرج من صلب وطننا حاكماً يجري صَكُّه وسَبَاكَتُه على عين النَّتِن واللُّودر، جهاراً نهاراً تحت الضوء المبهر بثمن بخس، على شاكلة ما حدث لأبناء زايد وحفدة ابن سلول.