رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب :عنوان: “إذا لم تنزعوا سلاح حزب الله… سنُعيدكم إلى حضن بلاد الشام!”

تهديد أم دعوة للحنين؟

في زمن أصبحت فيه التصريحات السياسية تشبه عروض السيرك أكثر من كونها مواقف دبلوماسية، خرج علينا الموفد الأميركي توماس باراك، بلحمه وشحمه وبلكنة عربية لم تذُب بعد في “هوليوود”، ليهدد لبنان قائلاً:
“إذا لم يتم نزع سلاح حزب الله، فسيُعاد لبنان إلى حضن بلاد الشام!”

هل سمعتم؟ تهديد، بكل فصاحة ونعومة، نُطق بصوت رجل أعمال معتق، وكأننا على وشك الدخول في موسم تخفيضات على الحدود الجغرافية.

بلاد الشام… يا له من حضن!

دعونا نتأمل التهديد قليلاً. “إعادة لبنان إلى حضن بلاد الشام”؟ أي حضن تحديدًا؟ هل هو الحضن الذي لا كهرباء فيه؟ أم الذي يتسع لكل شيء إلا المواطن؟
أم لعل المقصود هو ذاك الحضن السياسي الدافئ، الذي يضم في داخله أجهزة أمنية، محاور طائفية، وقصائد من زمن “الوحدة أو الموت”، فقط بدون كهرباء أو خبز!

يبدو أن السيد باراك يحن إلى أيام ما قبل “14 آذار” و”ساحة الشهداء”، حين كانت بيروت تدير رأسها كلما عطس أحد في الشام. وهذا الحنين، كما يبدو، أصاب ذاكرته، فنسي أن لبنان في هذه اللحظة تحديدًا، يعيش في حضن لا نعرف له جنسًا: لا هو عربي، لا هو فارسي، ولا حتى غربي… هو حضن افتراضي يشبه الثقب الأسود.

التهديد: ما بين دبلوماسية الروليت وبلاغة الشاورما

قد يُقال إن التصريح مجرد زلة لسان. لكننا في لبنان، اعتدنا أن الزلات ليست مجرد كلمات، بل سياسات. كل حرب بدأت بزلة، وكل تسوية انتهت بزلة أكبر. أما أن يأتي التهديد هذه المرة من رجل من أصول لبنانية، فذلك يضفي على المسرحية بعدًا دراميًا يستحق الأوسكار.

ربما أراد باراك أن يقول للبنانيين: “إما أن تنزعوا سلاح حزب الله، أو سننزع عنكم آخر ما تبقّى من وهم السيادة.”
وهنا نسأله بودّ: هل هناك سيادة باقية أصلًا؟ أم تقصد تلك السيادة التي تتجلى في طوابير البنزين، والمياه المقطوعة، والدواء المهرّب، والكهرباء التي تأتي مثل الزائر الغامض؟

سلاح حزب الله: الفزاعة الدائمة

المثير للسخرية أن الجميع – أميركيين، أوروبيين، عربًا وأشباه لبنانيين – لا يتحدثون عن بناء دولة، أو إصلاح قضاء، أو وقف الانهيار المالي، بل عن نزع السلاح. وكأننا نعيش في ناطحات سحاب من الشفافية، ولا ينقصنا إلا التخلص من بندقية هنا أو هناك.

يا سادة، لبنان لا يعاني من سلاح حزب الله فقط، بل من سلاح الجهل، والفساد، والطائفية، والحسابات المصرفية التي تبخرت مثل تبخر أحلام الدولة. فقبل أن نبحث عن نزع السلاح، فلننزع أولاً الطبقة السياسية بأكملها ونضعها في متحف الهياكل المتحجرة.

إلى السيد باراك: شكراً على النصيحة

نقولها بكل احترام، شكرًا على التهديد. فهو أعاد إلينا لوهلة وهم أننا ما زلنا مهمّين بما يكفي ليُهدَّد وجودنا. لكن، لو سمحت، في المرة القادمة، رجاءً هددونا بشيء أكثر واقعية. مثلاً: “إذا لم تُشكّلوا حكومة، فسنُرسل إليكم وزراء محترفين”، أو “إذا استمر الانهيار، فسنمنع عنكم الإنستغرام!” — هذا النوع من التهديدات قد يُحرك الناس فعلاً.

أما حضن بلاد الشام… فنعتذر، حضننا ممتلئ حالياً بالمولدات، والفواتير، وصفوف المدارس التي تحوّلت إلى مخيمات انتظار للهجرة.

خاتمة: لبنان لا يحتاج إلى حضن. يحتاج إلى عمود فقري.

فلبنان، يا سيد باراك، لم يخرج يومًا من “الحضن”. فقط تغيّر شكل الحضن بتغيّر المحاور. ما يحتاجه هذا البلد ليس أن يُعاد إلى الوراء، بل أن يُخرج رأسه من الرمال، ويفكر يومًا واحدًا كمواطن، لا كزبون في بازار الأمم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى