د. فيروزالولي تكتب :بين الحوثي والشرعية… اليمن ضحية صفقة بلا توقيع

في اليمن، نعيش مسرحية طويلة عنوانها “استعادة الدولة”، وبطلاها المزعومان: الحوثي و”الشرعية”. أحدهما يدّعي الانتصار، والآخر يدّعي الشرعية، أما الدولة؟ فقد غادرت المسرح منذ الفصل الأول، وبقي الشعب يتفرّج من تحت الركام، بلا تذكرة، ولا أمل.
الشرعية؟
تُقيم في فنادق الخمسة نجوم وتوزّع بيانات الشجب عبر تطبيقات مشفّرة، وتُرسل برقيات العزاء لأرضٍ لم تعد تملك منها إلا الخريطة في شعار الجمهورية. تحارب الحوثي… نظريًا. تقاوم التمدّد الإيراني… في المقابلات التلفزيونية فقط. بينما على الأرض، المدن تسقط كما تسقط أوراق الخريف، بلا مقاومة ولا حتى حرج.
الحوثي؟
خصم شرس في الإعلام، شريك هادئ في الواقع. يدخل المدن بلا معركة، وكأنه يتسلّم مفاتيحها من موظف في الاستقبال. عنيد، نعم. لكن يبدو أن عناده كان خطة ذكية أو حتى غباءً مباركًا جعله يحجز لنفسه مكانًا على طاولة الإقليم، بينما تُطرد الشرعية من الطاولة وتُطلب منها “الانتظار في الخارج”.
هل هناك تنسيق؟ لا أحد يعترف.
لكن الأحداث تتحدث بلغة لا تحتاج مترجمًا: انسحابات مريبة، تفاهمات غامضة، خطوط تماس ساكنة، وهدنات تتجدد وكأن الحرب نفسها ملت القتال. الشرعية لا تُقاتل، والحوثي لا يُطارد. الكل مرتاح… إلا المواطن.
المواطن؟
ذاك المسكين الذي يُطلب منه القتال، ثم يُنسى في خيمة. يُقال له إن النصر قريب، ثم يُكتشف أنه كان المقصود بـ”القرابين”. يحارب بلا مرتبات، ويموت بلا رثاء. هو الضحية الدائمة في فيلم لا يتغير أبطاله، فقط يتغير مكان التصوير بين الرياض، مسقط، طهران، وجنيف.
الإقليم؟
تعامل مع الحوثي بواقعية، لا حبًا فيه، بل لأن الطرف الآخر لا يملك وزنًا ولا كاريزما، ولا حتى صفحة في الميدان. عندما يكون خيارك بين مقاتل مهووس يسيطر على العاصمة، وسياسي ناعم يُقيم في جناح مطل على البوسفور… فأنت تعرف من تختار لـ”حوار جاد”.
الحقيقة؟
الخلاف بين الحوثي والشرعية يشبه خلاف الممثلين في الكواليس: يصرخون أمام الجمهور، ويتقاسمون العشاء بعد العرض. لعبة محكمة، خيوطها تتداخل بين المصالح، والدول، والصفقات، والضحك على الذقون.
أما اليمن؟
فهو مجرد جائزة في مزاد لم يُعلن رسميًا، لكنه قائم. من يدفع أكثر؟ من يصمت أكثر؟ من يتنازل أكثر؟ كل شيء قابل للمساومة… إلا كرامة المواطن، لأنها ببساطة غير مطلوبة على الطاولة.