فيس وتويتر

محمد عبد اللاه يكتب :الفرصة السانحة

في إسرائيل سقطت نظرية الحرب الخاطفة، وفشلت نظرية نقل المعارك إلى أرض العدو لحماية الداخل.
أنا لا أعرف أين يكون الداخل الإسرائيلي تحديدا، لأن حدود هذه الدولة موجودة في ذهنها وحدها أو تتحدث عنها في الخفاء مع الحليف الأمريكي ريما دون غيره.
ليس هناك في إسرائيل الآن ما يمنعها من خوض حرب تستمر سنوات. أنظر إلى الحرب في غزة (7 اكتوبر 2023 – ……). النهاية ما زالت مفتوحة.
وليس هناك في إسرائيل ما يمنعها من أن يتعرض وسطها، الذي يمثل أكبر هواجسها الأمنية، للقصف والتدمير. أنظر إلى حرب الـ 12 يوما مع إيران.
1 ـ نحن أمام إسرائيل جديدة تقاتل من البر والجو والبحر على جبهات كثيرة في وقت واحد.
2 ـ نحن أمام قوة عسكرية عاتية لم تعد تحسب لأحد في المنطقة حسابا، بما في ذلك تركيا التي يتعين عليها إذا قررت الحرب، ردا على القصف الإسرائيلي لمحيط قصر الرئاسة وهيئة أركان الجيش في دمشق، أن تنسحب من حلف شمال ألأطلسي من واقع تعارض المصالح مع كثير من الدول الأعضاء.
3 ـ نحن أمام إسرائيل مخيفة حتى لمصر التي كانت أول وأهم دولة عربية تقيم السلام معها بما فتح الأبواب على مصاريعها أمام ما تلا سنة 1979 من أحوال في العالم العربي.
كان من حقي أن أضحك وأنا أسمع قول محللين ومعلقين وخبراء استراتيجيين في قنوات فضائية عربية إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يشعل حربا وراء أخرى من أجل أن يبقى على قيد الحياة السياسية في إسرائيل.
هذا القول غير صحيح.
منذ زمن بعيد تربى المجتمع الإسرائيلي على الإعلاء من شأن القوة العسكرية في إثبات الوجود وتأكيده. ولم يتغير ذلك بعد السلام مع مصر رغم قول الرئيس الراحل أنور السادات إن حرب اكتوبر 1973 هي آخر الحروب.
بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على إبرام المعاهدة اجتاحت إسرائيل لبنان سنة 1982 وحاصرت بيروت وفرضت على الحكومة هناك إطار اتفاق سلام لم ير النور في وجود معارضة داخلية قوية واعتراض سوري سنده وجود عسكري كبير لدمشق في لبنان منذ الحرب الأهلية.
في ظل تجييش المجتمع الإسرائيلي لا يوجد فرق جوهري في الرأي السياسي بين حزب وآخر، أو بين حكومة ومعارضة. الفرق هو في الأسلوب: متى نضرب؟ أين نضرب؟ بأي طريقة نضرب؟ باي ذريعة نضرب؟ وهكذا.
إسرائيل جعلتنا نشعر في أقل من سنتين بأنها دولة مهنتها الحرب. دولة.. الحرب صناعتها وزراعتها وتجارتها وتعليمها وفنونها وآدابها.
لذلك أرجوك لا تقل لي إن إرادة الحرب منطلقة من خوف نتنياهو من جرجرته في المحاكم بتهم الفساد المنسوبة إليه إذا ترك منصبه.
إسرائيل لا تأبه حتى بانتحار عشرات من جنودها المنهكين بدنيا والمأزومين نفسيا بأهوال الحرب التي عاشوها في غزة ولبنان وربما الضفة الغربية.
لماذا هذا الهوس الحربي الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر 2023؟
هناك سببان:
الأول ـ كان حتميا على إسرائيل أن تنتقل، وعلى الفور، من حالة الاهتراء التي بدت عليها تحت الهجوم إلى قوة عصف تدميري مريع، وهو وضع ربما لم تتصوره في نفسها، وربما لم يتصورها فيه غيرها.
بعد هجوم 7 اكتوبر سقطت أسرائيل أسيرة تصور أنها كانت أمام خطر وجودي ماحق لو كان العمل العسكري الذي انطلق من غزة أقوى أو أكبر مما كان أو استهدف الوصول إلى تل أبيب وقابله هجوم من جنوب لبنان يجتاح الشمال.
اشتعل هذا التصور في المخيلة الإسرائيلية أيضا من واقع تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن التي شدد فيها على الدفاع عن بقاء إسرائيل بعبارة بدت غريبة أو واصلة إلى العمق هي: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها.”
وعلى أثر تصريحات بايدن الذي كان أول رئيس أمريكي في المنصب يزور إسرائيل في زمن الحرب، وجدت تل أبيب نفسها الطرف المستقبِل في شريان حياة حربي ومالي ومخابراتي هائل طرفه المرسل هو الولايات المتحدة ودول أوروبية كبرى أبرزها ألمانيا.
2 ـ وجدت إسرائيل نفسها في وضعية هذه القوة التدميرية الساحقة والممتدة المفعول في وقت هزال عسكري تمر به الدول العربية التي لم تحصل على طائرات حديثة أو نظم دفاع جوي كفء منذ سنوات قبل انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات.
لا تحدثني عن الأسلحة الحديثة التي تستوردها دول عربية خليجية من الولايات المتحدة، لأن هذه الأسلحة موجودة من واقع شروط وأوضاع استلامها خارج أي احتمال قتال مع إسرائيل.
للسببين معا رأت إسرائيل بعد 7 اكتوبر وبسببه وفي ظله أنها أمام فرصة تاريخية لتحقيق أهداف معلنة، من بينها تهجير نحو ستة ملايين فليسطيني من الضفة الغربية وغزة إلى الأردن ومصر، وأهداف أخرى غير معلنة في المنطقة التي يمثل العالم العربي أغلبها.
تحدث الساسة الإسرائيليون بلا مواربة عن فرصة سانحة أساسها الإمداد العسكري والمالي والمخابراتي الأمريكي والأوروبي الهائل والهزال العسكري العربي البادي للناظر ولمغمض العينين أيضا.
هل إسرائيل أمام فرصة سانحة فعلا؟
في رأيي لا. وهذه هي الأسباب:
1 ـ هذه المنطقة، تاريخيا وثقافيا، عصية على السحق. أنا لا أتصور دولها مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. ولا أتصورها مثل المانيا بعد الحرب أيضا.
يعزز هذا التصور أن دول المنطقة، على خلاف اليابان وألمانيا، ليست معتدية، ولا تطمح إلى مستعمرات أو مناطق نفوذ خارج إقليمها.
2 ـ ستهتز تظرية الفرصة السانحة إذا سقط أي من السببين المغذيين لوضع القوة العسكرية العاتية، أي شريان الحياة الممدود من الغرب والكساح العربي.
إذا تغير أي من السببين ستهتز نظرية الفرصة السانحة وربما تسقط مثل نظريتي الحرب الخاطفة ونقل المعارك إلى أرض العدو.
3 ـ الاستخدام المفرط للقوة المدمرة منذ 7 اكتوبر 2023 وإلى الآن يؤجج الرفض الشعبي العربي لإسرائيل، وأتوقع أن يكون الشعور العام في دولنا مفرطا في القسوة على إسرائيل إذا واتته الفرصة.
وبهذا المفهوم ترتكب إسرائيل خطأ استراتيجيا قد تلاحقها مسالبه سنوات بعد سنوات وربما إلى يوم الدين.
3 ـ حالة العجز الفاضح التي تبدو عليها الحكومات العربية تبعث على تململها من هذا الوضع الاستثنائي الخطير الذي وجدت نفسها فيه. وأعتقد أن أي حكومة عربية تتوافر لها أسباب القوة لن تتردد في مناصبة إسرائيل والغرب بقيادة الولايات المتحدة العداء من جديد.
خلاصة القول: فرصة إسرائيل السانحة كانت مع الدول العربية بعد أن أقرت في مؤتمر قمة بيروت 2002 مبادرة السلام القائمة على تطبيع العلاقات مقابل موافقة إسرائيل على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس الشرقية.
هل ما زالت هذه الفرصة سانحة؟
بالنسبة للعالم العربي ما زالت الأيدي ممدودة بهذه المبادرة التي توفر غطاء مشروعا لحالة الإرغام على التطبيع التي تدفع وراءها واشنطن بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ.
بالنسبة لإسرائيل يجب أن تلتقط الخيط.
إذا كان العالم العربي في حاجة إلى إسرائيل فإنه يحتاج إليها نورا يضيء أركانا مظلمة فيه بطاقاتها الإبداعية العلمية والصناعية والزراعية ولا يحتاج إليها نارا تحرق ما بقي فيه من مقدرات الوجود والحياة.
(الصورة لقمة بيروت التي أقرت المبادرة العربية لسنة 2002)
(أرجو تجنب التعليقات المتجاوزة، كما أرجو الامتثال لمعايير فيسبوك التي تحظر خطاب الكراهية والتحريض على العنف)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى