فيس وتويتر

مها السحمراني تكتب :الوطن العربي إلى أين

قراءة تحليلية في مشهد معقد يراوح بين الانقسام والنهضة المؤجلة

لم يعد السؤال عن ما يحدث في الوطن العربي بقدر ما أصبح إلى أين تمضي الأمور فمن الخليج إلى المحيط يتكاثر الضجيج السياسي وتتوالى الأزمات الاقتصادية وتتسع الفجوة بين الشعوب والدول وسط مشهد تزداد فيه ملامح التحولات وتضيق فيه مساحات اليقين في سوريا عادت التوترات لتتصدر المشهد حيث شنت اسرائيل ضربات جوية على مواقع متعددة ما يعكس هشاشة الوضع الأمني وتعقيد الصراعات الإقليمية كما شهد الجنوب السوري توترات داخلية بين بعض المكونات الاجتماعية وسط غياب حلول سياسية حقيقية وفي ليبيا عاد صوت السلاح إلى العاصمة بعد اغتيال قيادي ميليشياوي بارز ما أعاد إلى الأذهان هشاشة اتفاقات وقف إطلاق النار رغم جهود التهدئة الدولية أما لبنان فتمكن أخيرا من تشكيل حكومة بعد فراغ سياسي دام أكثر من عامين إلا أن التخوف ما زال قائما بسبب نفوذ المعارضة المدعومة من الخارج التي تمسك بخيوط توازنات حساسة قد تعرقل أي إصلاح فعلي رغم امتلاك العالم العربي ثروات هائلة إلا أن الفجوة الاقتصادية تتسع فمعدلات البطالة بين الشباب في بعض الدول تصل إلى ثلاثين إلى أربعين بالمئة مع تراجع حاد في قيمة العملات وانخفاض الاستثمار في التعليم والبحث العلمي الأخطر من الأزمة الاقتصادية هو أزمة الانتماء إذ يشعر جيل واسع من الشباب أن مستقبله لم يعد في وطنه بل في الهجرة وأن فكرة الهوية المشتركة أصبحت شعارات مجوفة وسط صعود الولاءات الطائفية والمناطقية تشهد المنطقة تحولات في خريطة التحالفات فالسعودية تسير باتجاه تبريد الصراعات الإقليمية وبناء محاور استقرار اقتصادي وتنموي وإيران تسعى لتثبيت نفوذها عبر قنوات مختلفة رغم الضغوط الدولية المتزايدة كما يتصاعد التنافس بين تركيا وإسرائيل على النفوذ في شمال سوريا أما فلسطين فتبقى جرحا مفتوحا إذ تستمر العمليات العسكرية في غزة وسط أزمة إنسانية خانقة وجمود في المسار السياسي رغم الوساطات التي تقودها أطراف عربية فاعلة في حال غياب مشروع عربي موحد واستمرار التدخلات الخارجية وتفكك النظم السياسية ستبقى المنطقة عرضة لمزيد من النزاعات والانهيارات الاجتماعية رغم صعوبة الواقع لا تزال هناك إشارات إلى إمكانات التحول حكومات جديدة إصلاحات اقتصادية جريئة في بعض الدول الخليجية وعودة الحراك الشعبي المدني في دول أخرى لكن التحول يتطلب إرادة جماعية واعية ورؤية استراتيجية طويلة الأمد لا تكتفي بردود الأفعال بل تبني نهجا عربيا جديدا يعيد الاعتبار للفرد ويوازن بين الاستقلال والسيادة والانفتاح والتكامل الوطن العربي ليس جغرافيا فحسب بل هو فكرة تنتظر الاكتمال بين رماد الخراب وشظايا الأحلام هناك دائما ضوء ينتظر من يشعل فتيله فإما أن نمضي إليه بإرادة أو نظل عالقين في دورة التكرار والأوطان لا تنهض إلا حين يكتبها العقل ويصونها القلب ويحميها الوعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى