قراءة ا.العربي ازعبل لقصيدة همس السفر ل د. مصطفى سليمان

لجودة القصيدة و للغتها الشعرية الشاعرية ولمثانة التركيب الفني للجمل ولروح غرض القصيدة مضمونا وشكلا فنيا رائعا …..أعيد نشر القصيدة / اللوحة الفنية و قراءتي لها المتواضعة ، تحقيقا في نشر أجود الحرف وأروع نبض بيراع فنان تشكيلي بارع للقصيدة الحداثية المعاصرة ….للدكتور : مصطفى سليمان من المغرب .
قراءة تحليلية لقصيدةالأديب الكبير والشاعر الملهم الدكتور : مصطفى سليمان في رائعته : همس السفر قراءة : العربي ازعبل Larbi Izaabel
لست أدري كيف يمكن فصل هذه القصيدة المجازية العالية الحرفية والمهنية الشعرية عن ” أدب الرحلة ”
ومقتضى حال شاعرنا أو الغرض الخاص السببي لها !!
فلأدب الرحلة ( السفر) قيمتان : قيمة علمية ، وقيمة أدبية وهي التي تهمنا الآن .
وتتجلى في كون الكثير من هذه الرحلات كتب بأسلوب أدبي رفيع ، يتميز بالتصوير الحي ، والوصف الدقيق ، ومعالجة دقائق الحياة الإجتماعية والنفسية وتسجيل الإنطباعات والمقارنات من حياة الشعوب والحضارات بل والشخصيات المرسل إليهم الخطاب خاصة في مثل هذه القصيدة / اللوحة .
وفي الأدب العربي يحتل أدب الرحلة ركنا هاما من أركانه .فقد توالت رحلات العرب والمسلمين ابتداء من القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي) حتى العصر الحاضر .. وكان لهم قدم السبق في اكتشاف كثير من اصقاع الدنيا قبل رحالة الغرب ، ومن أشهر الرحالة نذكر :
أبن حوقل ، والمسعودي، و المقدسي والشريف الإدريسي وابن جبير وابن بطوطة وابن رشيد والعبدري .
اما في العصر الحديث فهناك ثرات ضخم من أدب الرحلة يجمع بين القيمة العلمية والأدبية ومن أشهر الرحالة :
الطهطاوي ومحمد ثابت والريحاني وشكيب أرسلان
وكرد علي وحسين فوزي وغيرهم كثر .
من هنا كان تساؤلي الأول عن كيف يمكن لي أن افصل بين هذا الذي هو صلب مضمون قصيدة شاعرنا الدكتور مصطفى سليمان وذاك الأدب المسمى ( أدب الرحلة ) ما دام هناك فرق شاسع وعميق بينهما رغم أنهما يلتقيان من حيث القيمة الفنية والادبية هنا بل والعلمية أيضا وسأحاول الإشارة إلى ذلك من قصيدة شاعرنا ( همس السفر ) .
فالعنوان مختار بعمق وتفكير بل وعن أحساس بالإنفلات من قبضة عموم أدب الرحلة ليقف عند ثقافة الرجل وتنوع معارفه وتقنية تصفيف المعلومات وتحيينها لتكون جزء من قصيدة غارقة في المجاز اللغوي والفني والإبداعي شعرا أنيقا يحتفظ بكل مقومات أدب الرحلة والشعر الحداثي المفتوح عن كل القراءات و التأويلات والإنزياحات و الإسقاطات الممكنة في هذا السياق .
نقف مشدوهين من البناء الفني العام للنص ؛ سواء من حيث القاموس اللغوي و الصور الفنية الشعرية المعبرة بصدق ( صدق الإحساس وسمو العاطفة الجياشة والإندفاع الداخلي لبث المشاعر والرؤى والفكرة ) ثم الموسيقى الداخلية المفعمة بكثير من ( الإنسانية ) والحب و الخوف عن الآخر ( المرسل اليه مضمون النص) زيادة على حبكة متراصة الحلقات متماسكة الأجزاء تنساب من القلب والروح والوجدان والفؤاد كأنها شلال يفيض جمالا ورونقا وعذوبة من بداية النص إلى آخر النص في جمل شعرية شاعرية وتراكيب غاية في الإتقان ….
كلها تحمل بين ثناياها ذلك النفس الشعري بل والحالة التي كان عليها الشاعر وهو في أسر شيطان شعره في لقائهما ( الصعب و المحرج) !! فالإلهام ضاغط بكلله على الشاعر ، يستحثه البوح ، والنبض يوسره ، ودقات قلب الشاعر بين المطرقة والسندان …
هل يستجيب للقلب أم يستجيب للإلهام أم يستجيب للفكر والخيال الفكري والوجداني والروحي؟ …
فالهروب هنا غير ممكن لأنه غير مخير …فالمسافر سيسافر للضرورة القصوى التي حكمت به الأقدار … لا بد مما ليس منه بد ، والشاعر بين الشغف والخوف من البعد والنوى والوحدة والشوق والإشتياق وبين الحقيقة والواقع الماثل أمامه بكل صرامة وحزم بل وإصرار، لأنه مكتوب على الجبين و في حكم القضاء والقدر … فلا مهرب ولا مناص من السفر ، ولا مهرب من الإستسلام للواقع ! ذا الواقع الذي قد لا يكون بالضرورة مؤلما ولا داعيا للشك والخوف لكن الشاعر لا يقوى على الفراق وغربة المحبوب الصب الذي ملك عنه حواسه حتى أصبح بدونه جسدا بلا روح ولا قيمة ، فالحبيب كان مؤنسا ، ملأ عنه فراغات النفس والقلب والفؤاد وملأ عنه لحظات حياتية خاصة كانت كلها غربة وضياع ووحدة وانعزال ووحشة وتفرد .
لكن الجميل هو أن كل ذلك الألم المخفي والمعلن يدعو إلى ابقاء الصلة إن كتابة أو كلاما أو صورة بالرغم من أن الشاعر لا ولن يتنازل عن الإبقاء بل البقاء أقرب ما يكون لمحبوبه من حبل الوريد .
تحياتي ايها البحر الشامخ الأريب هذا العمق وهذا البوح ، فالنبض آسر واليراع مذفاق راق ومميز تتخلله نفائح إنسانية عالية ……..
تقديري واحترامي للدكتور الشاعر الأديب :
مصطفى سليمان المبدع .
💥💥💥💥💥💥
💥💥القصيدة💥💥
💥💥💥 همس السفر 💥💥💥
… و أنت أهبة … السفر
لا تأخذي الحقيبة معك
… دعيها تنام مع أحلامي
أَعلمُ … أنها فارغة
لربما عدتِ من وهم رحيلك
إلى يقين الحقيقة
و لربما جمعتِ شتات ضياعي
فغير رحابة حقيبتك
… لن تقواه حقيبة …
… و أنت أهبة … السفر
لا تأخذي مفاتيح قلبي معك
دعيها تؤنس وحدتي القاتلة
أعلمُ … أنك أخذتِ القلب
و معه نبضاتي الرتيبة
… دعيها تشاكس ما تبقى
دقات ساعاتي المعكوسة
لربما عدتِ من تيه شكوكك
إلى رشد الحقيقة
و لربما أعدتِ فؤادي لحياتي
فلن تقوى احتضانه حياة
كحياتي البئيسة الكئيبة …
… و أنت أهبة … السفر
لا تأخذي ماهيتي معك
… دعيها قابعة كيفما أنا
هامش النكسات راضية مطمئنة
فلربما تخمتِ الصور المتشابهة
… أنك شهدتِ كرنفال الأقنعة
و كيف تتساقط البسمة تلو البسمة
عن الوجوه المتخشبة
… فاشتقتِ لصورة
لم تغيرها عوامل التعرية
ممانعة … و الخديعة
… صورة تأخذك عمق الحقيقة
حيث الحياة الصادقة
فلربما وجدتِ روحك المتفائلة …
… و أنت أهبة … السفر
لا تقفلي باب انصرافك
… دعيها مشرعة
تأكدي فقط من تذكرة سفرك
لربما هي لشبيهتك العنيدة
تقطن جموح اندفاعك
تلبَّسَتكِ ذات غيرة
جعلَتكِ فريسة أوهامك …
فلربما عدتِ بداية المسافة
أضغاث عزمك منهكة
… و لربما تشابهت عليك الأزقة
صمت الأبواب الموصدة
… فدعي دائما و أبدا
باب انصرافك مشرعة …
… و أنت أهبة … السفر
لا تأخذي معك فصلا
دعي الفصول مكتَمَل السنة
دعي دورة الحياة كما هي
و دعيك تحيا كما أنتِ
لربما كنتِ فصل الخريف
و اشتقتِ نبض الربيع
… لربما كنته أنا … انبعاثك أنا …
دعي ألوان الحياة كما هي
دعي لونك يتماشى و الألوان
لربما من فراشات الزمن الزاهية
شكلنا مما تبقى منا … لنا
… اللوحة الفنية الفريدة …
… و أنت أهبة … السفر
لا تأخذي معك آلامي
لربما هي الحقيقة الوحيدة
… حقيقتنا الصادمة
فأنا أعلم … و أنت الأعلم
حجم هول الحقيقة
… ورطتنا الصريحة …
فالآلام على أشكالها
… لا تستهوي إلا منابتها
آلامنا .. واقعنا … صدقنا الوحيد
بساط حضرة الانسانية
حيث الشمس الساطعة الحقيقة
لربما اقتنعت أخيرا
… من الخيبات الصادمة الأليمة
من دموع الآهات المديدة
يشع نجم اهتدائنا … رشدنا
… الحياة الهنيئة …
… و أنت أهبة … السفر
اعلمي أن الآلام استأنستني
لتظل بوفائها
… الوحيدة الوفية …
… دعيها تفعل مفعولها
لربما … أيقظتني أحلام الظهيرة
و رمت بي أحضان بعضي
… وجع السيمفونية …
دعي الحياة تأخذ مجراها
دعي الألم … يعتصرها
… و من معتق نبيذها
دعيني لوحدي أثمل
فالبوح الصادق يصدح نضجا
كلما اعتلت بلابل الوجدان
و تربعت عرش الصهيل ثمالة
… لربما نزلتِ صهوة عنادك
استكنتِ اطمئنانا … ذات برهة
… و بين أحضان وجعي
لربما علمتِ كون الحياة
مجرد خدعة بساط الخديعة …
… و أنت … أهبة السفر
لا تسافري و خضم ترددك
اطلقي العنان مخزون حسمك
تذكري فقط … تذكري
… فأينما حللتِ … حللنا
… نحن من يصنع لون حياتنا
لا الألوان أبدا المسؤولة
و … و حماقات صنائعنا …
جربي أن تطيري و سرب السنونو
لتعلمي حجم تفاهة تواجدنا
… لربما من أعلى هشاشتنا
توضَّحت لك الرؤية
كوننا … مجرد فرسان من ورق
نحارب عبثا طواحين الهوى
تذكري فقط … تذكري
أن القمر لا يمنح … لكلٍّ ابتسامة
… بل لمن يحمل و أسوأ حالاته
وجها لا تفارقه عدوى البشاشة
… لربما فهمتِ عني
كون البسمة مرآة الروح المطمئنة …
… و أنت أهبة … السفر
لا تأخذي يراعك … فقط … معك
بل خذي اليراع ، محبرتي الوحيدة ،
المخيلة و كل المداد المستقطر
دموع حروفي الكسيرة
… لتظل الدموع الصادقة الوفية
… لربما أتاك الالهام … غفلة
فكتبَتْكِ قصيدة ما … تبكيك
و تبكي حياتنا العصيبة
… لربما علمتِ أن السفر
لا يبتدئ من مكان إلى مكان
بل السفر … من حيث دواخلنا
لربما سافرتِ بعيدا … بعيدا
و جبتِ أخيرا مكامنك
… لربما عدتِ تحملين فَلَكَ عينيك
كواكب تشع لون الحقيقة …
… و أنت أهبة … السفر
اعلمي أن الحياة عقيمة
إن لم يغمرها بريق السعادة
فمبارك هو القلب … في أحلك حالاته
يزرع مشاتل من الأمل
مهما ندر الوفاء و تأخر المطر
يظل بكل النبل … الغيث المنتظر
فمبارك هو القلب … كلما انكسر
جمع شظاياه و لملم دفءه
و مد لكل عاثر سبيل العشق
… كلما اشتدت أمواج الحنين
مد له … ما تبقى من نبضه
صلابة الدفة … سلامة السفينة
و عن نداء الوفاء ما تأخر
… أن الحياة سفر طويل الروعة
الحب فيه …
بوصلة الوجهة الصحيحة
محطتنا الأولى ، المحطة الأخيرة
… فما أروعه من سفر
إن خلدنا أخيرا عش السكينة
… حياتنا الجديدة …
🖍️ مصطفى سليمان / المغرب.