كتاب وشعراء

العشاء الأخير للغراب الأزرق…..بقلم محب خيري الجمال

العشاء الأخير للغراب الأزرق
في الليلة السابعة بعد احتضار الوقت،
رأيتُ الموت يشرب الشاي مع شجرة مانجا مبتورة الظلّ،
كان يضع نظّاراتٍ طبية،
ويكتب على صحنٍ من طينٍ جافّ:
ليس كلُّ من يموت… يختفي.
قال لي غرابٌ أزرق، كان يرتدي بذلةً بيضاء:
لا تثق بالموت حين يأتي بأصابع ناعمة،
فهو يعرف أن القُبلة الأولى،
هي أكثر فتكًا من الخنجر.
في مقبرةٍ بلا أسماء،
كان طفلٌ يرسم وجهًا ضاحكًا على الجمجمة،
ويصرخ: انظروا، الموت لا يُخيف حين يضحك!
لكن الجمجمة بصقت طباشير أسود،
ثم قالت للطفل: كلّما ضحكتُ… مات شاعر.
في سوقٍ قديم، كانت امرأة تبيع توابيتَ مُطرّزة بخيوطٍ ذهبية،
تعرضها كفُساتين زفافٍ على دُمى خشبية،
وحين سألتُها: من يشتري الموتَ مُطرّزًا؟
قالت: من يريد أن يموت وهو جميل،
كي لا يخجل أحبّاؤه من دفنه.
في الليلة نفسها،
رأيتُ نملةً تحمل جنازة نملةٍ أخرى،
وكانتا تبكيان،
كأنّهما تتذكّران حربًا لم تكتبها الكتب،
ولا تحكيها الأغاني.
الموتُ ليس رجلاً بوجهٍ شاحب،
هو أنثى بشفاهٍ داكنة اللون،
تضع أحمر شفاهٍ من دمِ قلبك،
وتضحك حين ترى مرآتها في عينيك.
الموت لا يطرق الباب،
إنه يسكن في صوتٍ، في غمزةٍ من الضوء،
في تفاحةٍ تسقط دون سبب،
في غيمةٍ تتردّد: أتمطر أم لا؟
في بذلةٍ لم تُلبَس،
وفي اسمٍ لم يُكتب على القبر،
إن كان هناك قبر.
يا هذا،
لا تنتظر أن ترى الموت على هيئةِ ملاكٍ أو وحش،
فهو قد يكون ضحكةً في منتصف نومك،
أو خبزًا محروقًا في الصباح،
أو صديقًا يلوّح من بعيد،
ثم يختفي قبل أن تردّ،
قبل أن تقول: ها ها ها. بشماتةٍ وقحة.
كنتُ أرتّب شعري أمام مرآةِ جدّي،
فقال لي الموتُ من داخل الزجاج:
تبدو وسيماً جدًّا اليوم،
هل أنهي الأمرَ الآن؟
قلتُ له: اصبر قليلاً… أريد أن أكتب سطرًا أخيرًا.
قال: السطر الأخير… يُكتب بالغياب.
وفي اللحظة التي ودّعتُ فيها اسمي،
ولم أجد من يهمس لي بـ ابقَ،
ابتسمتُ. فالموتُ أخيرًا،
كان أوّل من سألني: هل أنت متعب؟
ثم اقترب وهمس:
أعرف أنك لم تكن تنتظر الموت،
كنتَ تنتظر أحدًا يلاحظ أنك تختفي
تختفي ببطء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى