كتاب وشعراء

النَبيُّ الأخير/للشاعر المصري أحمد نصر الله

النبيُّ الأخير

ربما لا يكون
إلّا بنكهة الغياب،
ذاك الذي ظننته في البدء
وجهاً آخر لكانون،
حتى اكتشفتَ
أنّه النبيُّ الأخير،
الآتي بلا نبوءة،
والراحل بلا أثر.

لعلّه فخٌ
نصبته لك شجرةُ الحب،
بابتسامةٍ
لم تكن في الحسبان،
تتدلّى من غصنِ المصادفة،
حلوة كجرحٍ مؤجل،
وعميقة كموت وقور.

أسفلَ أخاديدِ اللهفة،
تتفجّر أنهارُ النشوة
ثم تجفُّ كأن لم تكن.

ربما هو صوتُ الموج،
أغنياتُ الحزنِ الرحيمة،
أو يدُ القدر الساخرة
تلتفّ حول قلبك
كشالٍ قديمٍ من وهم.

يدور الزمن
بين شظايا الانتظار
وكرنفالات الحضور،
ولا شيء يكتمل
سوى الغياب.

قد لا تُدرك كُنهَ
هذا الاحتلالِ الخفي،
وأنت تظنّ نفسك بمنأى
عن لدغات البحر،
وضمّةِ الحنين الكبرى،
التي تأتيك
حين لا تكون مستعدا إلا
لحمى الفقد .

في دائرتك المشغولة بالمعتاد،
ذات الشحنات الباردة،
لا الوردُ يحمل بريدك للبعيد،
ولا الشمسُ
تستقبل صباحك بالحنين.

أنت،
حيث تركك العالم،
تركض كحصانٍ تائه،
خلف عربةٍ يجرّها
هوى التكرار،
دون المرور بجنونِ التجربة،
وبلا شغفٍ لخوض المجهول.

تنسى ملامح صوتك،
لا تُنصت لملائكةِ الضوء
السابحةِ في أروقتك.
تُنكرك المرايا،
ويتساءل جلدك،
في شرودٍ: من تكون؟

وأنت لا تدري
أن الهاوية التي تهرب منها
بأطراف أصابعك،
قد لا تكون
إلا النبيَّ الأخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى