سيمون نصيف يكتب: «ظاهرة الفقر بين غياب العدالة واللا إنسانية»
سيمون نصيف مقال ظاهرة الفقر بين غياب العدالة واللا إنسانية

يُعد الفقر ظاهرة اقتصادية واجتماعية معقدة ومتعددة الأبعاد، تعد من أهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة على الصعيدين العالمي والمحلي، وبالتالي لابد للمجتمعات من العمل على فهم هذه الظاهرة بدقة وعمق، والتعرف على أسبابها، وتطوراتها، والعواقب التي تنتج عنها مع النظر الدقيق إلى سياسات المواجهة وتقييمها لحرمان الأفراد من انعكاس الفقر على حياتهم وأساليب تكيفهم معه، أن الفقر يظهر بأشكال متعددة باختلاف درجة تقدم الدولة التي يتواجد بها، إذ إنه يبدو في المجتمعات المتاخمة في أشكال الجوع وفقر الأصول وأسباب العيش المتجذرة في تنظيم سياسات التوزيع السيئة والبطالة والأمية والأمراض وندرة الخدمات، وفي الدول المتقدمة، يتجلى في أشكال الفصل الاجتماعي والبطالة المُتزايدة والأجور المتدنية، فالفقر بمثابة حالة اقتصادية، تتمثل في عدم توافر دخل مادي أساسي كاف للفرد وللأسرة، وعدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من توفير الغذاء والرعاية الصحية والملبس وغيرها.
يتجسد الفقر كقضية تتراوح بين غياب العدالة الصارخة والمعاناة اللاإنسانية، وتعكس إحصاءات الفقر واقعاً مؤلماً يستدعي التفكير العميق في الأسباب والحلول، واقع يدين الدول الأكثر غنى في العالم، والتي نحملها جزءاً كبيراً من المسؤولية عن حالة الفقر التي تسود كوكب الأرض والتي تتأزم يوماً تلو الآخر.
يعيش فوق سطح كوكب الأرض أكثر من (8) مليارات من البشر حسب إحصائيات عام 2024 حيث يبلغ عدد سكان الدول النامية أكثر من (4.3) مليار يعيش منها ما يقارب (3) مليارات تحت خط مستوى الفقر.
وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.
وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.
وفي المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين، وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.
وبينما يموت 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعاً، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
تظهر هذه الإحصائيات الخلل الكبير في تمركز رأس المال العالمي، وهو خلل لا يمكن تجاهل تأثيراته السلبية وما يترتب عليها من آثار على البشرية، كما توضح ما آل إليه حال الإنسانية في التغاضي عن هذه الفضيحة الأخلاقية التي تهدد على نحو خطير السلام الاجتماعي.
تُظهر إحصاءات الفقر في العالم السالفة الذكر صورة معقدة ومؤلمة وإنعدام للإنسانية، بين ثروات أفراد تتجاوز دول، وآلاف الأطفال تموت يومياً بسبب الجوع، ولنا فيما يحدث في غزة أقرب مثال، فالفقر ليس مجرد تحد اقتصادي، بل هو قضية أخلاقية وإنسانية تتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية لتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان حصول كل فرد على حقوقه الأساسية ومستوى معيشي كريم، إن تحقيق عالم خالٍ من الفقر يتطلب تحولاً جذريًا في النظم الاقتصادية والاجتماعية، لضمان التوزيع العادل للثروات والفرص.
فقد وضعت الأمم المتحدة القضاء على الفقر هدفاً أول لأهداف التنمية المستدامة، وحقيقة أن القضاء على الفقر ليس مسألة خيرية، بل مسألة عدالة وأخلاق وإنسانية، فالفقر ليس مجرد نتيجة لظروف طبيعية أو سوء حظ، بل هو غالبًا نتيجة لغياب العدالة في توزيع الموارد والفرص.
سيمون نصيف
باحث دكتوراة في العلوم السياسية