أريد أن أنام يا الله……بقلم عبد الرحمن القشائي

أفكر كثيرًا، يا الله،
وهذا الرأس – منذ زمن – لم يعد رأسي،
صار قاعة محكمة بلا قاضٍ،
ومتحفًا للجثث مجهولة الهوية،
ومخبزًا يعجن خبزه بالتراب
من ..دماءٍ وطين..
أريد أن أنام يا الله..
لكن الجوعى يعقدون جلساتهم في جمجمتي،
يصوتون على من سيموت أولًا،
ويشتمون الدولَ التي اخترعت الطحين
ثمّ أرسلت مكانه الصواريخ و المُسيّرات..
أريد أن أنام، يا الله
لكنّ الشعوب تصرخ،
والخونة يتناسلون مثل الفطريات،
والحشود في رأسي..
تتكاثر في الظلام،
تطلق الرصاص على بعضها،
ثم تصلي للغفران..
يا الله
أريد أن أعيش لحظةً لا أكون فيها قاضيًا ومتهمًا وشاهدًا وجثة..
الطغاة، يا الله، ينامون…
ينامون كما ينام الحديد،
بلا حلم، بلا جفن، بلا أمّ تناديهم في المنام..
أنا لستُ نبيًّا، يا الله
ولا قديس..
أنا بشرٌ يسعلُ من فظاعة المشهد،
ولا يملك سوى أن يكتب،
وهذا عقابٌ قاسٍ لمن يحلم بأكثر من النوم..
أردتُ أن أكون شيئًا بسيطًا
ذرة غبار، غيمة ضالة، عابر سبيل في غابة عديمة السياسة..
لكنّك خلقتني على هيئة لحم،
وجعلتني أسمع أكثر مما يجب،
وأرى ما لا يراه سواي..
ثم تركتني في هذا العالم
كمن يُلقي بجهاز استقبال في بئرٍ مليئة بالصراخ…
يا الله أريد أن أنام ..
دون أن أشعرُ أنني أبٌ مفترض لكل طفلٍ لا يعرف اللعب،
ولكل أمٍّ تنتظر رسالةً
و تصرخ باسمي،
ولا تعرف أنني عاجز حتى عن إرسال شمعة..
أريد أن أنام يا الله..
دون أن تُرسلَ لي
إحداهن
ندمها
وبُكاؤها ..
وقتلاها آخر الليل ..
يا الله،
أريد أن أنام كما ينام الأبرياء في كتب الأطفال،
لكنّ قلبي محشوّ بالأسلاك والأسئلة..
أريد أن أنام،
ولا أستيقظ
إلا على صوت طفلٍ يصرخ من فرط الحياة
بابااا..!