أنا القصيدة .. شعر: سابرينا عشوش

“أنا القصيدة”
مساءُكَ…
نرجسةٌ جموح، تُطاولُ المرايا حتى يخجلَ منها القمر،
ونبيذٌ يقطُرُ من أهدابِ الغيم،
يُسكرُ الأرواحَ دون أن يمسَّ شفاهها.
مساءُكَ وعدٌ لا يُقال،
وصمتٌ يفتحُ في القلب أبوابًا لا تُغلق،
وشهقةُ انتظارٍ عالقةٌ في حلقِ الوقت،
ونبوءةٌ ضيّعها الأنبياء، فانحنى لها الفلكُ خجلًا،
ثم تراجعَ إلى سديمهِ بلا وعد.
أنا القلم…
إن خطَّ رمشُ عيوني، كنتَ أنتَ الحبرَ الذي يكتبه،
وإن نظرتَ إليّ، رأيتَ في أنوثتي كتابًا لا يُقرأ إلا بعينيك.
أنا حرفُكَ الثاني، وظلكَ الذي يكتملُ به المعنى،
أنا صدى اسمك إذا نطقه الصمت،
ونَفَسُكَ الذي يتكئُ على حروفِ الهوى كي لا يضيع.
أنا بنتُكَ المُدللة طفلتُكَ حين يزورُك الحنين،
وأختُكَ حين يشتدُّ النقاش،
وصديقتُكَ ساعةَ القرار،
وأمُّكَ إن باغتكَ البكاء،
وأنثاكَ حين يشتعلُ الغرام.
أنا كلماتٌ ليست كالكلمات،
في طاعتي نُبلٌ يليقُ بالملائكة،
وفي خوفي عليكَ قوةُ ألفِ رجلٍ إن غبتَ.
أنا اللامُ التي تلتصقُ بألفِك لتصنعَ اسمَك،
والهمزةُ التي تعلو صمتَك لتُعيدَ لكَ صوتكَ،
وأنا كلُّ حروفِك المبعثرة
التي لا تنتظمُ إلا إذا نطقتَني.
أنا ألوانُ الحياة إذا جفَّت الأقلام،
وذاكرةُ الضوء إن انطفأت المجرّات،
أنا نايُ روحكَ، ووترُ صمتِكَ،
ونبوءةُ حرفٍ لم يُكتَبْ بعد،
لكنه وُلدَ في قلبي من أجلك.
أنا لامُك حين تكتب الحب،
وألفُك حين تنهضُ من صمتكَ نبيًّا،
وأنا التاءُ التي تختمُ بها الحكايات كي تبدأ من جديد.
أنا النقطةُ التي تُعيد للحرفِ توازنه،
والسطرُ الذي يلجأُ إليه المعنى حين يضيع.
أنا النونُ التي تلتفُّ حول ذاتها كي لا تُفارِقكَ،
والياءُ التي تطيلُ ذيلَ اسمكَ في الدفاتر كوشمٍ أبدي.
أنا أنثاك…
حين يشتدُّ بردُ وحدتك،
وجمرُكَ الذي لا ينطفئ مهما تساقطَ المطر.
أنا أنفاسُكَ التي تعودُ إليكَ ولو عبرَ ألفِ صمتٍ،
وأحلامُكَ التي لا تعرفُ طريقًا إلا إلى قلبي.
أنا الباءُ التي تبدأُ بها بدايتكَ،
والكافُ التي تختمُ بها هلاككَ في عشقي.
أنا لغتكَ كلها…
فإن غِبتُ، صارتْ الحروفُ يتامى لا لسانَ لها،
وصارَ الكلامُ صحراءَ لا ظلَّ فيها.
فلا تُجرّبَ قراءةَ غيري،
ولا تهرب منّي إلى نصٍّ آخر…
لأنني قصيدتك الوحيدة التي كُتِبت من ضلعك،
وحُفِرت على صفحةِ روحك للأبد.
أنا الغيمُ إن عطشت،
والشمسُ إن بردت،
والصمتُ الذي يُفسّر كلّ ضجيجك،
والغموضُ الذي يهبك يقينًا لا يُقال.
أنا الكونُ إن فقدتَ بوصلةَ الدروب،
وأنا المجازُ إن خذلكَ الواقع،
وأنا الحقيقةُ التي لا تتكرّر في امرأةٍ ولا في حياة.
فدعني…
أكونَ بدايةَ لغتكَ ونهايتَها،
وأكونَ فيكَ وطنًا
لا تُغلقُ أبوابُه
ولا ينتهي سفرُه.
سابرينا عشوش/..
حقوق النشر محفوظة