رؤي ومقالات

مصطفي الفيتوري يكتب :فزورة جفري ابستين

التي يتداولها الاعلام هذة الفترة وغالبا ما يُسئ الإعلام العربي نقلها او تفسيرها الا فيما ندر مع وجود مراسلين لأغلب القنوات في امريكا. ومع استثناء القلة فأغلب ما يقوله المراسلون للمحطات المرئية (والصحافة) اما ناقص/مبتور او غير دقيق. هنا ملخص للموضوع لأن تفاصيله كثيرة ومتشعبة ولا تهم القارئ العربي كثيرا:
1/ جفري ابستين احد أغنياء امريكا والعالم ومن ضمن ممتلكاته جزيرة بأسرها.
2/ الرجل مقره الرسمي نيويورك ومنذ سنوات عدة (ومنذ رئاسة كلنتن بالذات) أُتهم بممارسات غير قانونية منها انشاء شبكة دعارة خاصة والابتزاز وما الي ذلك من قذارات ترتبط غالبا بسلوك الاغنياء. وكعادة الأغنياء وخاصة الاغنياء جدا لهم عوالم خاصة تعج بثلاثة انواع من البشر: امثالهم من الاغنياء وفئة أصحاب القرار والمقربين منهم واخيرا الفئة الثالثة المخفية غالبا وهي فئة المحظيات وهذة غالبا تتكون من نساء/فتيات من بيئة اجتماعية مهمشة وبيوت وأُسر مهشمة يعني فتيات تركنا التعليم ويتيمات او من أُسر مفككة نتيجة الطلاق مثلا و.. الخ. الي هنا الامر شبه طبيعي في المجتمعات الرأسمالية حيث الانحطاط الأخلاقي مرتبط كثيرا بالبطر والغناء الفاحش. ما هو غير طبيعي ولا قانوني ولا مقبول هو ان تصبح تلك النسوة القُصر طبعا صيدا وغالبا صيدا سهلا للأغنياء وهذة هي مشكلة ابستين رقم واحد.
3/ رغم اتهامه بأنه يهرّب الفتيات من والي مقره في نيويورك الا انه لم يقع في يد السلطات ومتى وقع (مرتين تقريبا) كان ينجو اما بالمال او سواه. ورجل بمكانته غالبا يستعمل آخرين لينال مبتغاه وفي حالته كان يستعمل حبيبته، (وهي تريده زوجا يا للمفارقة!) البريطانية غسلين ماكسويل وهي قصة آخرى طويلة ومعقدة، لكي تصطاد له الفتيات اللواتي تتوافر فيهن المواصفات.
4/ في السنوات الاخيرة تكلمت احد ضحاياه وماتت مؤخرا في حادث سير في استراليا حيث تزوجت وانجبت وارادت الانزواء بعيدا فأشترت مزرعة و”شلاق سعي وكم بقرة” وكانت الاولي التي لم ينفع معها التهديد والوعيد وعثرت على محامي قَبِل قضيتها والا لما سمعها احد. الذي اعطى لقصتها دويا دوليا هائلا هو ان ابستين “اهداها” مرة على الأقل الي شقيق ملك بريطانيا الحالي الامير اندرو (فروخ الملكة الراحلة وزوجاتهم دارو العار للعزوز لين قتلوها بالعرق وماتت بالحسرة!)ومن حسن حظ جيفري جيوفري(وهذا اسمها) أنها تمتلك صورة لها مع الامير الفاسد اندروا وعشيقة ابستين امام بيت هدا الاخير ومع ان الامير انكر كل الحكاية الا انه اقنع السيدة جيوفيري بتعويض مالي مناسب مقابل ان تستمر في الصمت ولا ترفع شكوى ضده ولا تكشف عن المبلغ الذي حصلت عليه وهذا ما كان.

1. ترمب في حملته الأنتخابية قدم وعودا كثيرة منها انه سيرفع السرية عن كل ملفات جيفري أبستين وينشرها للعامة وفعلت وزارة العدل ذلك في الشهر الثاني من رئاسة ترمب ولكن لم تنشر كل شئ.
2. ما أخفته الوزارة عن النشر هو اجابة على سؤال بسيط: هل كان أبستين، الذي انتحر وهو في الطابق الرابع من سجن في نيويورك (رغم مراقبته الشديدة من الحراس)، هل كان يحتفظ بقائمة “زبائن” اي الذين يهديهم البنات ويدعوهم الي حفلاته الماجنة غالبا خارج نيويورك وفي جزيرته الخاصة أم لا وهل أسم ترمب في تلك القائمة؟ أغلب الظن و وفق وسائل الأعلام الأمريكية أن أبستين كان يحتفظ بنوع من القوائم تضم أسماء الأصدقاء المقربين منه وعلى علاقة خاصة بيه ممن ودهم بالبنات واهداهم بعضهن!
3. الماجن ترمب والنسوانجي المحتقر للمرأة لا ينكر أنه عرف أبستين منذ سنين ولا ينكر أنه ألتقاه وربما أستضافه في برجه المشهور أيضا ولا ينكر أنه زاره ولكنه ينكر أنه كان ضمن قائمة زبائنه. ثم صار ينكر وكذلك وزيرة العدل (التي يفترض أنها مستقلة تماما عن ترمب مع أنه من عينها) أن هناك قائمة زبائن تركها أبستين.
4. هذا أثار حفيظة القاعدة الشعبية المؤيدة لترمب وقاد المؤثرون من أنصاره المتشددين وعلى رأسهم لونا لومر (والتي يستمع اليها ترمب كثيرا مع أنها لا تتولى اي منصب رسمي بل مؤثرة فقط) وستيف بانون وصاروا يقودون حملة تطالب ترمب بالكشف عن كل ملفات أبستين في وزارة العدل لإيمانهم (ربما؟) أن ترمب لم يكن أبدا في قائمة أصدقاء أبستين ممن تلقوا هداياه البشرية.
5. فأقدم ترمب على خطوة خطرة ولكنها ذكية اد طلب من وزيرة العدل بام بوندي بأن تنشر كافة ملفات مداولات هيئة المحلفين الكبرى (مجموعة من الناس تعينهم المحكمة) ممن وجهوا التهم رسميا الي أبستين ودفعوا السلطات الي أعتقاله. الذكاء في الأمر أن ترمب يعرف مسبقا (فهو دو سوابق كثيرة وعديدة ومدان جنائيا) أن القانون لا يسمح بنشر تلك المعلومات وبالفعل منذ أيام رفض قاضي فيدرالي في فلوريدا (ليس قاضي على مستوى الولاية بل على مستوى أمريكا) نشر تلك المعلومات. ولكن هذا الحكم كان مخصص لفترة محددة من ملفات أبستين حتى عام 2007 وليس يعدها.
6. الآن قاضي اخر من نيويورك يدرس أمكانية السماح بنشر تلك المعلومات عن الفترة بداية من 2019 وما بعدها حتى أنتحار ابستين وهنا مربط الفرس فتلك الفترة هي المعنية وليس ما قبلها. وانصار ترمب والمؤدين لنشر المعلومات يعتبرون كل هذا تضليل فهم يعتقدون أن قائم الزبائن أن وجدت أصلا فلن تكون في تلك الملفات الخاصة بمداولات هيئة المحلفين الكبرى بل في بقية الملفات ومنها تحقيقات الأف بي اي و وزارة العدل. وسبق للوزارة والشرطة الفيدرالية أن نفوا وجود تلك القائمة ولكن هذا النفي لم يقنع الا القلة من أنصار ترمب وسواهم ممن يطالبون بنشر المعلومات.
7. هذا كله دفع بعض النواب في الكنجرس الي طرح مشروع قرار يقضي باستدعاء غسلين ماكسويل من سجنها (محكومة بـ20 سنة) للإدلاء بشهادتها حول كامل قصة أبستين. ولكن رئيس مجلس النواب وخوفا من نتائج ذلك أستبق الأمر بأن أمر ببدء العطلة السنوية للكنجرس يوما قبل موعدها المقرر ليمنع النواب من التصويت على مشروع القرار.
8. ولكن ذلك لم ينهي الجدل فقامت لجنة مختصة من الكنجرس بالتصويت على قرار بأستدعاء غسلين بعد عودة المجلس للإنعقاد وهذا ما سيكون أو ربما لا يكون الا أن محاميها قال أنها لا تمانع أن تشهد أمام الكنجرس وتقول الحقيقة. وفي محاولة منها لإنهاء الجدل قامت وزارة العدل بالإعلان عن أن محققيها سيلتقون غسلين في سجنها للإستماع اليها وما لديها وتحدد لذلك موعد 15 أغسطس فيما يتداول القاضي في نيويورك الموضوع ويحكم فيه.
أخيرا: مشكلة ترمب مع أبستين هي الإجابة على السؤال البسيط: هل كانت لأبستين قائمة زبائن وهل كان هو مدرجا فيها؟ كل المؤشرات تقول نعم أسمه (مكتوب على قولة عادل امام) وما من نار دون دخان. ماذا يمكن أن يحدث الآن في أمر الغيب ويصعب التنبؤ به وبأثاره على ترمب ورئاسته. ومن النتائج المتوقعة مثلا ان تقبل غسلين الشهادة ولكن بصفقة تخرجها من السجن او تخفف من عقوبتها او تنقلها الي الإعتقال المنزلي أو شئ من هذا ولن توافق على المثول امام الكنجرس دون مقابل مفيد اليها. وأيضا يمكن ان تذهب بوندي وزيرة العدل ضحية مناورة سياسية خاصة وأن بعض الصحف النافدة قالت أن الوزيرة أبلغت الرئيس في أبريل الماضي أن أسمه موجود في ملفات أبستين ولكن لم تنقل الصحف شكل دكره وماهييه: هل هو في قائمة الزبائن أم في بقية الملفات؟ المشكلة في الأولى وليست في الثانية. المفلت أن أحدا من النسوة اللواتي شهدن ضد أبستين وغسلين بعده لم تذكر أي منهم أسم ترمب أبدا.
المثير في الأمر أن النظام الأمريكي رغم دقته وأحتوائه على ضوابط واضحة يصعب تحاوزها الا أنه، في شقه القضائي، غالبا ما يحول القضايا الحساسة للسلطة الي ما يشبه الدراما أو السيرك لفترة من الزمن قبل أن تتجاوزها الأحداث وتختفي من الذاكرة الجماعية وينساها الناس وهم يدورون كالتروس في الآلة الرأسمالية الرهيبة التي أسمها أمريكا.
ملاحظة اخيرة/ التحقيقات في أمريكا (خاصة متى أجراها محقق خاص ومستقل) عادة ما تكشف عن أشياء أخرى غير موضوعها الرئيسي اي قد تفشل في أثبات ما تحقق بشأنه ولكنها تكشف جرائم أخرى وقد رأينا هذا االمشهد أثناء التحقيق في دعاوي ترمب بتزوير الإنتخابات وعلاقة ترمب بالروس في إنتخابات عام 2016 حيث لم يتبث المحقق وجود تلك العلاقة ولكنه كشف عن جرائم أرتكبها بعض مؤديدي ترمب ومحاميه وتم سجنهم بسببه وعلى رأسهم رودي جولياني ونجا هو!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى