السفير فوزي العشماوي يكتب :إشكاليات حماس

أعلم أن حماس خط أحمر لدي الاخوان، ولدي شريحة لابأس بها في المجتمع المصري، ولكننا ننظر لها بموضوعية، لانقدسها ونحصنها كما يفعل هؤلاء، ولانشيطنها كما يحلو لأولئك
حماس بالنسبة لي حركة مقاومة لاشك في ذلك، ولعل إستشهاد معظم قادتها وعلي رأسهم السنوار، ومخاطرة كل عناصرها بحياتهم أمام أشرس مستعمر وأحط آلة عسكرية، لدليل لايقبل الجدل أنهم ليسوا عملاء أو جواسيس
وحتي وإن أغمض نيتنياهو النظر عن نشأتها وتسليحها بل وأنفاقها وصواريخها، فإنه فعل ذلك لأهداف سياسية جوهرية بالنسبة له، تتعلق بآليات الصراع السياسي الداخلي وإستمراره في سدة الحكم، ولإفشال حل الدولتين، ولتفريق الصف الفلسطيني، ولإيجاد الأعذار والمبررات للإستمرار في المخطط الصهيوني التوسعي
حماس إذن حركة مقاومة فلسطينية تبذل الدم من أجل التحرير، فما هي إذن إشكالياتها بالنسبة لي وللعديد من المحللين :
أولا : البرنامج السياسي
البرنامج السياسي هو الإشكالية الأولي والأهم لحماس، فميثاقها السياسي الصادر عام ١٩٨٨ ينص علي أنها حركة مقاومة إسلامية إخوانية مسلحة، تهدف لتحرير فلسطين من البحر ( المتوسط ) إلي النهر ( الاردن )، مايجعلها في مواجهة صفرية مع المخطط الصهيوني الهادف أيضا لإقامة دولة يهودية من البحر الي النهر، والوثيقة السياسية المعدلة التي تبنتها حماس عام ٢٠١٧ قبلت فيها اقامة دولة فلسطينية علي حدود ٥ يونيو ٦٧ كهدف مرحلي دون الاعتراف بإسرائيل أو تغيير الهدف الأساسي وهو تحرير كامل التراب الفلسطيني، هذا البرنامج لايصطدم صفريا فقط مع المشروع الصهيوني، ولكنه مرفوض تماما أمريكا والدول الغربية وغالبية دول العالم التي تعتبر هدف القضاء علي إسرائيل هدفا إرهابيا لايمكن التسامح معه، بل إنه يصطدم مع السلطة الفلسطينية التي نشأت بناءً علي اتفاقية أوسلو وحل الدولتين، وكذا مع غالبية الدول العربية المتمسكة بحل الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام الذي أقرته قمة بيروت ٢٠٠٢، وهذه إشكالية جوهرية تجعل غالبية دول العالم بما في ذلك عديد الدول العربية محجمة عن التعامل مع حماس او الاعتراف بها او دعمها، واقتصار هذا الدعم علي ايران وهو دعم لايمكن أن يقلب موازين القوة الكاسحة لصالح إسرائيل، وقطر التي تفعل ذلك بتوافق إسرائيلي وتفاهمات أمريكية لاتخل بموازين القوي
ثانيا : الحكم أم المقاومة :
منذ تسلم حماس مسئولية إدارة القطاع في ٢٠٠٧، بعد إنسحاب إسرائيل الأحادي، ثم فوزها في الانتخابات وطردها لممثلي السلطة الفلسطينية، تري حماس نفسها وتتصرف علي أنها الحاكم الشرعي والسلطة الوحيدة والمنتخبة في غزة، وأنها لاتخضع للسلطة الفلسطينية التي افرزتها اوسلو في رام الله، وهذا التوصيف يفرض عليها التصرف كحكومة مسئولة عن شعب وإقليم، وحماية هذا الشعب والحفاظ علي هذا الاقليم
ولكن حماس تتصرف في ذات الوقت كحركة مقاومة، تستطيع أن تقدم علي أعمال عسكرية مفاجئة وغير محسوبة العواقب، وتستطيع في ٧ أكتوبر أن تأسر وتختطف أطفال ونساء وشيوخ، وهو مايلحق الضرر الجسيم بصورتها، ويجعلها أمام العالم منظمة إرهابية، ويجعل أفعال إسرائيل رد فعل مشروع بالنسبة لهم، والأهم أن العدو الغاشم يقوم بالتنكيل بكل الشعب في غزة الذي تحكمه حماس بإعتبار أنه المسئول عن وصولها للحكم والموافق علي أفعالها، وهو ماأدي لاستشهاد عشرات الالاف من أبناء هذا الشعب، وتدمير ٩٠٪ من مباني القطاع، وتعريض ٢ مليون مواطن تحكمهم لخطر المجاعة، في مواجهة صمت دولي فاضح، وأحد أهم أسباب ذلك هو إختلاط وإشكالية الرؤية بين حماس الحكومة والسلطة المسئولة المنضبطة والمنتخبة من جهة، والمقاومة أو الميليشيا غير المتقيدة بأي قيود من جهة اخري
ثالثا : محاربة اليمين الصهيوني المتطرف أم إحياءه وتقويته :
يري عديد المحللين أن الفرصة الذهبية التي ضيعتها المقاومة والفلسطينيون والعرب هو إهدار زخم حركة السلام الاسرائيلية الذي بلغ أقصاه بعد إغتيال رابين علي يد متطرف يهودي معارض لأوسلو ولعملية السلام ( ٤ نوفمبر ١٩٩٥ ) حيث مال غالبية الشعب الاسرائيلي لتحقيق حلم رابين بإقرار سلام تاريخي بين الفلسطينيين والعرب واسرائيل، ولكن قيام حماس ( والجهاد ) بموجة من التفجيرات لحافلات المدارس التي اوقعت عشرات الضحايا من الاطفال والمدنيين في فبراير ومارس عام ١٩٩٦ أدي لردة فعل عكسية كبيرة وخسارة بيريز للإنتخابات التي جرت في مايو من نفس العام وفوز نيتنياهو والائتلاف اليميني الذي ظل جاثما علي أنفاس المنطقة حتي الان، وتضاؤل وتآكل معسكر السلام واليسار في إسرائيل، وهو مايثير التساؤل حول تلك العلاقة الجدلية والارتباط العضوي بين الجانبين المتطرفين اللذين يحاربان بعضهما البعض ولكنهما يغذيان ويتغذيان علي هذا الصراع
هذه الاشكاليات تفسر جزء من مأزق غزة ومأساتها المستمرة والتي بلغت أوجها منذ الطوفان وحتي الآن
بالطبع لانبرئ العدو، ولاندين المقاومة، ولانطالب بالتماهي مع الاحتلال الذي نعتبره المسئول الاول بإحتلاله وعدوانه عن كل كوارث المنطقة، ولكننا نطالب بأن يكون هناك مراجعة صادقة وأمينة بعد كل إنتكاسة، فكما يراجع العدو حساباته ويحاسب جيشه ومسئوليه حساب الملكين حتي وهو منتصر فإننا يجب أن نعتاد علي المراجعة والحساب وتنحي المخطئ حتي ولو كان حسن النية، لو تنحي عبد الناصر بعد هزيمة يونيو لدشنت مصر نظاما ديمقراطيا رشيدا يحاسب ويراقب ويصحح، ولو راجعت الاخوان مواقفها وإنسحبت بهدوء في ٣٠ يونيو لصالح إنتخابات جديدة لتغيرت أمور كثيرة في الوطن، ولو راجع الحكم والمؤسسة العسكرية سياساتهم وأولوياتهم فسنكون علي بداية طريق الإصلاح الحقيقي
وحماس ليست إستثناء من حركات التحرر التي تراجع بشجاعة برنامجها واهدافها وقدراتها وقراراتها خاصة بعد الأحداث المفصلية كالتي نشهدها بعد الطوفان !