د. فيروزالولي تكتب :رهان الحمير الخاسرة: حين تراهن الإمارات على طارق وتظن نفسها على جوادٍ أبيض

لا شيء في السياسة يثير السخرية أكثر من مشهد دولة تمتلك طائرات “رافال” وقواعد في القرن الأفريقي وهي تضع بيض آمالها في سلّة طارق صالح، وكأنها تراهن على “نيرون” لإطفاء الحريق.
ظهر مؤخرًا وثائقي إعلامي يوثق لحظة النهاية الدرامية لعلي عبدالله صالح. توقيت البث ليس عبثًا. لم يكن الهدف نفض الغبار عن لحظة موته، بل إرسال رسائل سياسية أكثر مما هي وثائقية. الرسالة السعودية واضحة: طارق لم يكن حاضرًا حينها، ولن يكون حاضرًا مستقبلًا، لا حين احتُجز عمه، ولا حين سُحل أنصاره، ولا حين انهارت الجمهورية الثالثة تحت أقدام “الصرخة”.
الآن، فجأة، نكتشف أن الجنرال الغائب سيخوض “معركة” ضد الحوثي الشهر القادم، بتمويل إماراتي سخي — دراهم تنزل كالمطر، ولكن لا رصاص يعلو. فالمعركة المرتقبة لا تشبه معارك الجبهات، بل تشبه أكثر إعلانات الفودكا في منطقة جافة: كثيرة الوعود، بلا قطرة!
طارق لا يملك غطاءً سعوديًا، ولا أميركيًا، ولا حتى “نقطة تفتيش محترمة” في مفرق البرح. الدعم الوحيد الذي يتلقاه يأتي من جيوب الإمارات، التي تحوّلت تدريجيًا من “شريك في التحالف” إلى “تاجر جملة في الموانئ اليمنية”. كل ما يهمها هو أن يُفتح ميناء جديد، يُغلق صوت جديد، وتُرفع راية “الخصخصة” على ما تبقّى من سيادة وطنية.
عدن؟ صارت مخزنًا مؤقتًا. المكلا؟ صالة انتظار. سقطرى؟ جزيرة إماراتية بالوكالة، يُكتب اسمها في خطابات المسؤولين وكأنها “الفرع الجنوبي للجبل علي”.
ومن هناك، تقف السعودية في الشرفة، تلوّح بكأس “المصداقية”، وترسل عبر الوثائقي رسالة مشفّرة للإمارات: أنتم تراهنون على حمار خان سيده، وتنتظرون منه أن يربح السباق.
هل نسيت الإمارات أن الحوثي اليوم لم يعد مجرد زحف بقدمين حافيتين من صعدة، بل صار آلة حرب تمتد من صنعاء إلى مأرب، ومن الساحل إلى الحدود، وتُدار بريموت كنترول من طهران؟ ليس فقط لديه سلاح وعتاد، بل لديه اعتراف ضمني من واشنطن، واحترام نسبي من تل أبيب التي ترى فيه حائط صد محتمل في لعبة النفوذ الإيراني.
أما طارق، فكل ما لديه هو صفحة “فيسبوك” ممولة، وخطاب حربي مكتوب على عجل، وشباب يمني يُزجّ به إلى الموت في معارك لا يعلمون من فيها العدو ومن فيها الكفيل.
في النهاية، قد لا يربح الحوثي الحرب، لكنه على الأقل يعرف لماذا يُقاتل. أما هؤلاء الذين يظنون أن الموانئ تُحرر بالشيكات، فهم أقرب إلى تجار خردة منه إلى قادة حرب.
والأغرب من كل شيء؟ أن الإمارات ما زالت تصرّ أن من يقف على أطلال “دار الرئاسة” في تعز قد يكون “المنقذ”، بينما يعرف الجميع أن القطار غادر المحطة منذ زمن، وطارق كان مشغولًا بتغيير زيه العسكري لالتقاط صورة مع ضباط إماراتيين في المخا.
الرهان على طارق ليس مجرد رهان خاسر… بل هو رهان لا يليق إلا بمن باع القضايا مقابل حصة في “المنطقة الحرة”.