كتاب وشعراء

مولاي.. إني أحبك …بقلم محمد نبيل كبها

قد يولد الحب في أي زاوية في العالم، في مكان لا يخاطر فيه بالك، ويصراط لم تخطوه في حياتك! الحب ليس له باعث، ولا منطق، ولا عقل، ولا إسم.
عندما يسافر الحب على اعتباتك، فيمكن أن يسلّل إليك بكل هدوء، يغزو فكرك، وييجتاح آريكي، ويسكن قلبك، ويحتل أرضك…
قد تكون محيطًا جافّاً، وعندما تجتمع معًا، فإنها تدفع رسومك للعوم من هاوية بدنك، حتى تنتهي إلى شاطئ جسدك! قد يكون كوكباً أسوداً خاوٍ ومظلماً، وعندما يلمس كتفك الحب، يمكن أن يشعل فيك مصباحاً تبصر من خلاله كل المجرّة! قد تكون حروفاً مقطّعة وحزينة، وعندما يجتاحك الحب يمكن أن يلملمها، ويمكن معاودة ترتيبها إلى قصيدة جميلة! قد تكون لعنة تمشي على الأرض، وعندما يكتسح الحب فإنك تصبح قبلة تمشي عليها…
فكل هذا في حب الإنسان، فمن هو إذن في حق الرحمن!؟ إن المسافة فلكية إن وجدت أصلا! ففي حب البشر كل النّاس أموات، وفي حب الله أنت من الخالدين…
أصحاب القلوب الهائمة في هوى الله، والعيون السامرة صبوحة إلى الله، والأفمام القائلة بسم الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله…
الذاكرين له سُبحانهُ في جُل حالاتهم وأحوالهم، في وقوفهم وجنوبهم، في رحيلهم ويصلونهم، في بُكرتهم وعشيّهم، في حديثهم وحتى في صمتهم…
والحبيب يبادل حبيبه المحبّة، فمن أعظم الدلائل على محبة الله ولا لنا أنه لا ينسانا، يتركنا، ولا يخلّع عنّا، وحتى لو أخطأت لصالح باعث الآراب آلاف المرات يبقى بابه مفتوحاً، ويبدأك يعود إلى مرّة أخرى، يبدأ لو كذبت حتى لو سرقت حتى لو زنيت حتى لو كفرت تجد خالق الحرف ومعناه ومعلمك اياه يقول لك: “قل يا عبادي الأطفال فوات على لا تقنوا من الله” إن الله يغفر الذنوب جميعا” (الآية رقم 53 من سورة الزمر).
إن الله يحبّنا، ولكن الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه.
مولاي.. إني أحبك، وأقول لك ما قاله الشاعر العراقي والإمامي “الحلاج، الحسين بن منصور”:
وَاللَّه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت … إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي
وَلا جَلِستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم … إِلَّا وَأَنتَ حَديثي بَين جُلّاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً … إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَين وِسواسي
وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ … إِلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنَكَ في الكَأسِ
وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتِتيانِ جِئتُكُم … سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَّأسِ
وَيا فَتى الحَيِّ إِن غَنّيتَ لي طَرَباً … فَغَنّنّي واسِفاً من قلبِكَ القاسي
مالي ولاناسِ كَم يَلحونَني سَفَهاً … ديني لِنَفسي وَدينُ الناسِ لِلناسِ
كان لِقَلبي أَهواءٌ مُفَرَّقَةٌ … فَاِستَجمَعَت مُذ رَأَتكَ العَينُ أَهوائي
فَصارَ يَحسُدُني مَن كُنتُ أَحسُدُهُ … وَصِرتُ مَولى الوَرى مُذ صِرتُ مَولائي
تَرَكتُ لِلناسِ دُنياهُم وَدينَهُم … شُغلاً بِحِبِّكَ يا ديني وَدُنيائي
ما لاماني فيكَ أَحبابي وَأَعدائي … إِلّا لِغَفلَتِهِم عِن عُظمِ بَلوائي
أَشَعلتَ في كَبِدي نارينِ واحِدَةً … بِينَ الضُلوعِ وَأُخرى بَين أَحشائي
مولاي: إني أحبك، وأقول لك ما قاله الملك الصوفي “إبراهيم بن أدهم”:
هجرت السلوك طرا في هواكا*** وأتمنى عيال كياكا
فلو قطعتني في الحب اربا***لما سكن الفؤاد الى سواكا
وتجاوز عن الشعبية قد أتاكا *** وجاء اليك مرتجيا رضاكا
وان إيك يا مهيمن قد عصاكا *** فلم يسجد لمعبد سواكا
الهي عبدك العاصي أتاكا *** مقرا بالذنوب وقد دعاكا
فان تغفر لذاك اهل *** وان تطرد فمن يرحم سواكا
مولاي.. إني أحبك، وأقول لك ما قالته العابدة العراقية المتصوتة “رابعة المعاناة، الرابعة القيسية أم عمرو”:
عرفت الهوى مذ عرفت هواك … وأغلقت قلبا عممن سواك
ماذا اناجيك يا من ترى …خفايا القلوب ولسنا نراك
أحبك حبين حب الهوى … وحبا لأن أهلك أهلك
فأما الذي هو حب الهوى … فشغلني بذكرك امن سواك
وأما الذي أنت أهله … فكشفك للحجب حتى نراك
فلا الحمد في ذا ولا اخ لي … ولكن لك الحمد في ذا وذاك
أحبك حبين حب الهوى … وحبا لأن أهلك أهلك
وأشتاق شوقين، شوق النوى … وشوقا لقرب الخطى من حماك
وأما إشتياقي لقرب الحمى … فنار خبت في صيام
ولست على الشجو أشكو الهوى … رضيت بما شئت لي في هداك
مولاي.. إني أحبك، وأقول لك ما قاله الشاعر المصري الصوفي “ابن الفارض، هو أبو حفص شرف الدين”:
قلْبي يُحددُنيكَ مُتَلفي، روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ
لم أقضِ حقَّ هوَاكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيه أسى، ومِثلي مَن يفي
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ
يا مني طيب المنامِ، ومنحي موضوع السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عَطفًا على رَمَقي، وما أبْقَيْتَ لي منْ جِسمي المُضْني، وقلبي المُدْنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي، والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي
لم أخلُ من حَسدٍ عليك، فلا تُضعْ سَهري بتَشنيعِ الخيالِ المُرْجِفِ
واسألْ نُجومَ اللليلِ: هل زارَ الكَرَى جَفني، وكيف زارُ مَن لم يَعرِفِ؟
لا غرو إنْ شَحتْ بِغُمضِ جُفونها عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ
وبعد ذلك في موقفِ التوديعِ منْ ألمِ النّوى، شاهَدتُ هَولَ الموقِف.
مولاي.. إني أحبك، وأقول لك ما قاله الشاعر المصري الصوفي “بن الفارض، أبو حفص شرف الدين”:
قلبي يُدَدثني بَنّكَ مُتْلِفِي … روحي فِداكَ عرَفْتَ أم لم تَعْرِفِ
لم أَقْضِ حَقَّ هَواكَ إن كُنتُ الذي … لم أقضِ فيه أسىً ومِثلي مَنْ يَفي
ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ … في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف
فَلِئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني … يا خيبة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ
يا منِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي …ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ
عَطفاً على رَمقي وأبقَيتَ لي … منْ جسمي المُضْني وقلبي المُدَنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُمَاتلي … والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي
مولاي: إني أحبك، وأقول لك ما قاله الشاعر الجزائري الصوفي “عفيف الدين، سليمان بن علي التلمساني”:
لا يُقَدِّرُ الحُبُّ أَنْ يَخْفَى مَحَاسِنُهُ … وَإِنَّما في سَناهُ الحَجْبُ تَحْتَجِبُ
أُعاهِدُ الرَّحَ أَنَّى لا أُفارِقُها … مِنْ أَجْلِ أَنَّ الثَنايا شِبْهَها الحَبَبَ
وَأَرْقُبُ البَرْقَ لاسَقَياهُ مَنْ أَرْبَى … لكِنَّهُ مَثَّلَ خدَّيْهِ لَهُ لِهَبْ
يا سالِمًا في الهَوَى مِمّا أُكابِدَهُ … رِفْقًا بِأَحْشاءِ صَبِّ شَفِّها الوَصْبِ
فَالأَجْرُ يا أَمْلَى إِنْ كُنْتَ تَكْسِبُهُ … مِنْ كُلِّ ذي كَبِدٍ حِراءً تَكْتَسِبُ
يا بَدْرُ تَمَّ مُحاقي في زِيادَتِهِ … ما أَنْ تنجْلي عَنْ أُفُقِكَ السَحَبِ
صَحا السُكارَى وَسُكْرَى فِيكَ دامَ وَما … لِلسُكَّرِ مِنْ سَبَبٍ يُرْوَى وَلا نِسْبِ
مولاي.. إني أحبك، وأقول لك ما قاله العالم الصوفي “سمنون المحب، أبو الحسن سمون بن حمزة الخواص”:
بكيتُ ودمع العين للراحة … ولكنع الشوق ينكى به القلبُ
وذكرى لما ألقاه ليس بنافعي … ولكن شيئا يهيج به الكرب
فلو كذبت لي أنا قلت معذبة … فنار مواجيد خطأها العتب
بليت بمن لا يعتابه … ويعتبني حتى يُقال لي الذنب
مولاي.. إني أحبك، وأقول لك كل ما قاله الشعراء والكتاب والأدباء والعلماء والفلاسفة والحكماء في حبك من قبلي ومن بعدي أني أحبك، وأن أحرفي فلوريدا أمامك مقبولة عن التّعبير، وتندثر وتعترف الكلمات، وتتمسّر وتتيبس اللّغات أمامك يا ودادي.
عندما عرفتك مولاي تيقنت أنكني كنت أبلهاً ويجاهلاً وأحمقاً في تعريف الهوى والعشق، وكلّ المحطّات البشريّة وغير البشريّة جلاء مررت بها، ولا زلت أهيم عطشاناً مرتبكاً مشوّشاً إذن إحتفى قلبي بك حبيبي، كل البشر يريدون على صحن قلبي، معروف قلبي علم أن الله مستقره ومنزله وموطنه يا روحي ويا حنيني ويا هواي.
مولاي.. حبيبي.. واختر أن في حبكاً، وأما أن أخط في هواك حرفاً، ولكن شعري تاه في حضرتك يامن خلقت حرفي ومعناه، فلا سحر لحرف كائن من قالهُ سوى لحرف قاله الله جلّ في عُلاه.
إلى خليلي وحبيبي…
إلى “الله” جلّ في عُلاه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى