رؤي ومقالات

عبد الناصر سلامه يكتب :مصر وغزة.. والجدل الدائر

المزايدة على الموقف المصري، أو حتى الفلسطيني، بخصوص الإبادة في غزة، أخذت منحى أكثر استقطاباً، خصوصاً بعد ممارسات بعض المواطنين تجاه السفارات، والتي كانت سبباً في تحركات شعبية عربية في الاتجاه نفسه، إلا أن هناك بعض الملاحظات يجب عدم إغفالها، والتي كانت سبباً في الموقف الراهن، تتمثل في الآتي:
أولاً: منذ أكتوبر 2023 مع بدء عملية طوفان الأقصى، ومابدا من نية كيان الاحتلال نحو الإبادة، تجاه الأشقاء الفلسطينيين، كان يمكن قطع العلاقات تماماً مع الكيان، الدبلوماسية منها، والاقتصادية، والأمنية، وإغلاق الحدود أمام آلاف النازحين الإسرائيليين تجاه مصر، هرباً من الحرب، أو بهدف السياحة، أو أي شئ آخر.
ثانياً: الأرقام تشير إلى ارتفاع نسبة الصادرات المصرية إلى الكيان بنسبة 95،6% منذ بدء الحرب، وذلك بسبب تعطل ميناء إيلات على البحر الأحمر، معظم الوقت، نتيجة قصف الحوثيين، إضافة إلى توقف العمل بمطار بن جوريون في أوقات عديدة للسبب نفسه، بما يعني أن الصادرات المصرية أصبحت طوق نجاة لكيان الاحتلال، وهو ما كان يوجب اتخاذ موقف مغاير.
ثالثاً: جاء تشغيل الخط البري، المتجه إلى الكيان، على مدار الساعة، الإمارات-السعودية- الأردن، كطوق إنقاذ آخر، كان على مصر الاعتراض عليه، على اعتبار أنها الأكثر استهدافاً من مخطط تغيير خريطة الشرق الأوسط، الذي يؤكد عليه رئيس حكومة الكيان طوال الوقت، والذي يبدأ من الإصرار على تهجير أبناء غزة إلى سيناء، مروراً بالأطماع الصهيونية فيها، إلى غير ذلك من كثير يتعلق بالأراضي المصرية بشكل خاص.
رابعاً: كان على مصر عدم السماح باحتلال محور صلاح الدين (فلادلفيا) على امتداد الحدود مع القطاع، إعمالاً للاتفاقيات المبرمة بين البلدين من جهة، وحماية للشعب الفلسطيني في رفح من جهة أخرى، إضافة إلى رفض سيطرة قوات الاحتلال على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وهو الأمر الذي كان سيحد من جبروت الاحتلال في أنحاء القطاع كافة.
خامساً: يجب الوضع في الاعتبار أن الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، رفض الخضوع للمطالب الأمريكية- الإسرائيلية، بإغلاق الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، وقد قال في أكثر من مناسبة علناً: كيف نغلقها وليس أمامهم أية وسيلة للحصول على الطعام سوى الأنفاق، إلا أن إصرار الرئيس السيسي على إغلاق الأنفاق، وإقامة أكثر من سياج على الحدود، وغمرها بمياه البحر، جاءت جميعها بمثابة طعنات للشعب الفلسطيني والمقاومة في آن واحد.
سادساً: تبقى قضية الغذاء والماء والدواء والوقود، المكدسة، ما بين طوابير شاحنات في رفح المصرية، ومستودعات تابعة لـ “الأونروا” في مدينة العريش، لتضيف إلى علامات الاستفهام على الموقف المصري، على الرغم من حالة الجوع غير المسبوقة في التاريخ، التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، وهو ما كان يستدعي موقفًا مصرياً على مستوى المسؤولية، أياً كانت النتائج، وأياً كانت التكلفة، حتى لو استدعى الأمر مواجهة مباشرة مع كيان الاحتلال، ذلك أننا هنا نتحدث عن شعب واحد، بالمصاهرة والنسب والقبيلة والعشيرة، والمستقبل الواحد أيضاً، مع الوضع في الاعتبار أن الموقف السياسي المصري في حد ذاته، كان سيغير الكثير على أرض الواقع دون مواجهات.
سابعاً: إغلاق الحدود المصرية أمام متطوعين من كل مكان في العالم، لمناصرة الشعب الفلسطيني، كما في الحالة الأفغانية خلال سنوات الاحتلال السوفييتي، والحالة الروسية الأوكرانية حالياً، وإغلاقها أيضاً أمام استنفار شعبي وعشائري مصري، على أقل تقدير، يجعل من الموقف المصري مناصراً ومؤيداً، بل وحامياً لكيان الاحتلال، وهو الأمر الذي لن يغفره التاريخ، في الحاضر أو المستقبل.
ثامناً: كان على مصر، كحد أدنى التضامن مع القضية الفلسطينية، بالانضمام إلى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة، والانضمام إلى دول أخرى أمام المحكمة الجنائية الدولية، في قضية طلب اعتقال رئيس حكومة الكيان ووزير دفاعه.
تاسعاً: كان أمام مصر فرصة كبيرة، للانحياز لإيران في برنامجها النووي، وذلك بضرورة ربطه بالبرنامج الإسرائيلي، وذلك بطلب إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وهذا الموقف كان سيسبب صدمة دولية تربك الموقف تماماً لصالح المنطقة ككل.
عاشراً: يجب أن نتذكر المؤتمر الصحفي المشترك للرئيس عبدالفتاح السيسي، مع المستشار الألماني السابق، بعد ثلاثة أيام فقط من عملية طوفان الأقصى، الذي طلب فيه الرئيس علناً ترحيل سكان القطاع إلى صحراء النقب، لحين القضاء على الإرهابيين (المقاومة) وهو الحديث الذي أوضح الموقف المصري الرسمي منذ البداية ولم يتغير حتى اليوم، اعتقاداً أن عملية القضاء على المقاومة لن تستغرق وقتاً طويلاً.
————
على أية حال، المصريون دون غيرهم، هم الذين يشيعون الآن أن الموقف المصري دون المستوى، أو يتواطأ مع الاحتلال في عملية الإبادة، بما يشير إلى أن الموقف السياسي ليس مقنعاً، كما أن الإعلام الرسمي فشل في الترويج له، وهو ما أدى إلى الممارسات الفردية بالخارج نحو السفارات، والامتعاض بالداخل من خلال السوشيال ميديا، بما يشير إلى أن مسؤولية انزلاق الأوضاع بهذا الشكل، مسؤوليتنا نحن أولاً وأخيراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى