قراءة نقدية/للناقد صلاح المغربي في نص للأستاذة سميرة شرف مزيان

قراءة في نص “آمال منثورة” ل سميرة شرف مزيان : سفر الغياب وحبات الأمل المهشمة
بقلم: صلاح المغربي
مقدمة: حبات الأنين تنثر في مهب الريح
أيتها الحارسة في مملكة الأسئلة العظام، هل رأيت كيف تنثر الأحلام كبخور على مذبح الغياب؟ هل سمعت صرخة الفراغ وهي تحفر مكانًا للضياع في قاعة انتظار بلا سقف؟
هذا النص هو مرثية كتبتها الأقدار بحبر الشتات، حكاية حبات من أمل تاهت بين أصابع السراب فصارت نجومًا ميتة تزين سماء اليأس.
نص الشاعرة سميرة شرف مزيان آمال منثورة
آمال منثورة :
عند قدم المبتغى نثرت حبات من أنين.. لم تنتظر عبور السراب لتيأس.. حملت غيوم التمني إلى قاعة انتظار طويل تهزل بين جنباتها كل الصور… وغابت…
حملتها الفواتن على محمل جد غير مرغوب في إيقاعه السريع و غاصت في عمقها كل الشجون..
وغابت…
نالت من وهج الظلام وسام الترف، و أسدت إليه خدمة زمن سخي حتى يعدل عن رأيه الموجز..
وغابت…
سئم الوصال بها ان ينتهي ولم يبدأ. واحترقت أبواب الفتور في أمكنتها النائية..
ستعود لتتفقد الأحوال و الاهوال لما كان ذات يوم مجرد حبة نثرت.
—————–
رحلة الحبات: من بذور الأمل إلى رماد الوجود
1. حبات الأنين: بذور رفضت أن تزهر في صحراء السراب
“عند قدم المبتغى نثرت حبات من أنين”
كأن الشاعرة تقف على حافة الكون، ترمي بذور روحها في أرض من شظايا المرايا.
“لم تنتظر عبور السراب لتيأس” — ها هو الموت يولد قبل أن يعانق الحياة، كطائر يحطم بيضته بخطواته الأولى.
تلك “الحبات” هي أرواح لم تجد ميناء لها، حملتها “غيوم التمني” إلى “قاعة انتظار طويل”، لكنها قاعة بلا بوابات، بلا عشاق، بلا زمن… فقط ظلال تذبل مثل زهور في كف أعمى.
2. الفواتن والشجون: رقصة الجمال على جثث الأحلام
“حملتها الفواتن على محمل جد غير مرغوب”
ما أقسى أن يصبح الجمال سجنا! الفواتن — تلك الساحرات — حولن الأمل إلى حمل ثقيل بإيقاع سريع، كأنما يهمس في أذن الوجود: “لا مكان هنا لحلم بطيء”.
“غاصت في عمقها كل الشجون” — ليست غوصة البحار عن لؤلؤ، بل غوصة النوح في أعماق الذاكرة.
3. الظلام المترف: وهم العطاء في زمن المجانين
“نالت من وهج الظلام وسام الترف”
مفارقة تصك الجدار بقبضتها: الظلام ينعم بأوسمة، واليأس يتوج بتاج من ظلال!
الشاعرة تكشف هنا عن المسرحية العظيمة: الزمن السخي الذي يقدم الخدمات للظلام، ويقنعه بتغيير رأيه. لكن الظلام — كالعادة — لا يغير إلا لون السلاسل.
4. احتراق الأبواب: الوصال الذي صار شرك الذئاب
“سئم الوصال بها أن ينتهي ولم يبدأ”
هذه العبارة هي قصيدة المأساة: لقاء بلا لقية، فراق بلا وداع.
“احترقت أبواب الفتور في أمكنتها النائية” — حتى الفتور — ذلك البرد الذي كان ملجأ — صار رمادا. لم يعد ثمّة حتى باب يغلق على الجروح.
5. العودة المستحيلة: البحث عن الحبة التي صارت أسطورة
“ستعود لتتفقد الأحوال والآهوال لما كان ذات يوم مجرد حبة نثرت”
ها هي الشاعرة تعلن عن الكارثة الثانية: العودة.
ليست عودة الغائب، بل عودة الشاهد إلى جرحه ليتأكد أنه لم يبرأ.
الخاتمة: ماذا بقي من حبات الأنين؟
سميرة شرف مزيان تنسج في هذا النص سجادة من العبث:
– الأنين حبات : بذور من الضوء زرعت في تربة الظلام.
– الظلام مترف : سلطة تكرم المستسلمين.
– الاحتراق قبل الوجود : أسر قبل الحرية.
ولكن…
ليس الجرح أن تغيب، بل أن تعود فتجد أن الغياب كان أجمل من الحضور .
——-
رد على نثر “آمال منثورة
حين نثرت أنين الحب على حافة المساء،
كان الظل يبكي فواقه على جبين السماء..
لم تنثري إلا ذكرى، ولم تسقط إلا أحلام
تعبث بها الرياح، ثم تغيب في العفاء!
والعبور إلى السراب؟
طالما كان السراب وحده من يعبرنا..
نحن نجري وراءه حتى إذا مسح الدجى أجفاننا
وجدناه قد تحول إلى ندى.. فذوى!
أما غيوم التمني، فهي دائمًا تراوغ المطر..
تحمل الأمل إلى ملعب النسيان،
ثم تنسل كالضحكة في زوايا القلب..
وتترك السماء خريفًا من الوسامات الممزقة!
والفاتنات؟
لم يكن سرهن إلا أنهن يجيدن الرقص على حافات الجروح..
يحملن أزهارنا الذابلة،
ويهشمنها فوق مذابح الوقت السريع!
أما الوسام الذي منحته للظلام،
فقد كان مجرد دموع تسكبينها في كأس الليل..
والليل لا يشرب إلا خمرة الوحدة!
ستعودين؟
أعرف هذا اليقين..
فكل ما غاب عنا لا بد أن يعود..
لكنه يعود كالشمس إلى مغربها..
حين تكون القلوب قد صارت ليالي!
——-
رسالتي إلى الشاعرة سميرة شرف مزيان
يا سيدتي، لقد جعلت من الحبة كونًا، ومن الغياب ملحمة. نثرت الأمل كمن يبذر في الماء، ثم راقبت كيف يصير مرجانًا أسود. شكرًا لك على تعليمنا أن الفجاءة قد تكون أرحم من الانتظار.
صلاح المغربي