رؤي ومقالات

جمزه الحسن يكتب : تاريخ بديل

التاريخ البديل alternative history هو نوع أدبي يقوم على قلب التاريخ الواقعي مبني على فكرة” ماذا لو؟”
وكيف سيكون التاريخ لو لم يقع بهذه الصورة،
كقصص الخيال العلمي والرواية وأقدم مثال للتاريخ البديل ما كتبه المؤرخ اليوناني تيتوس ليفيوس متخيلاً تاريخاً بديلاً للقرن الرابع قبل الميلاد،
ونجاة الاسكندر المقدوني وغزوه أوروباً .
أشهر رواية للتاريخ المضاد أو البديل رواية 1984 جورج أورويل. لكل حكاية حكاية مضادة والواقع والتاريخ زوايا نظر،
وقد يبدو لون التمثال من جهتك رماديا لكنه من الخلف أسود. التاريخ البديل يعطي صورة واضحة عن احداث اليوم،
لان الحاضر تراكم الماضي ونحن لا نراه هكذا وعليه يجب اعادة صياغة الوقائع من جديد لكي نفهم الحاضر.
أو كما في رواية” التآمر على أمريكا “التي كتبها فيليب روث ونشرت في عام 2004 عن تاريخ بديل هُزِم فيه فرانكلين روزفلت في الانتخابات الرئاسية لعام 1940 على يد تشارلز ليندبيرغ.
التاريخ ليس خطاً مستقيماً بل نزوات وحماقات ومصادفات خاصة تاريخنا لعبت أدواراً في صناعة أحداث دامية حتى اليوم.
وكثيراً ما يسخر التاريخ وأدناه أمثلة على ذلك. لا ينقصنا الذكاء بل ينقصنا الخيال والخيال أهم من الذكاء. لماذا نفصل التخيل عن المعرفة
وهو أهم من المعرفة لأنه يشمل العالم كما قال آنشتاين؟
لنرجع الى الماضي القريب، سأتخيل أن حرباً لم تقع في العراق وأمريكا لم تحتله والتخيل حق كما هو حق الروائي الأمريكي بول أوستر أن يتخيل في روايته:” رجل في الظلام” أن احتلالا امريكيا لم يقع في العراق، وكذلك لم تسقط الأبراج وأن حرباً أهلية وقعت في أمريكا.
او كما في رواية “عاصفة النار” للروائي الامريكي نيلسون ديميل الذي توقع ان تضع السي اي ايه قنابل في مدن امريكية وتتهم العرب والمسلمين لتبرر ضربهم بالقنابل الذرية.
لنتخيل ان رجال السلطة اليوم ما زالوا في المنافي، العبادي مع الحواسيب في لندن، وبهاء الأعرجي عامل في دكان هواتف قبل طرده منه لعدم الأمانة، وهوشيار زيباري يتسكع في أزقة لندن يلعب البنكو ويخسر ويستدين من عراقيين ثمن الكحول،
ويمكن تذكر الكثير ممن كان بائع خضروات في كوبنهاغن ثم صار وكيل وزير،
وممن كان لا يملك شراء مدفأة كما قال في حوار متلفز،
وصار رئيس وزراء وهو اليوم يملك امبراطورية مالية ضخمة وممن كان يعيش على المساعدة المالية الممنوحة للاجئين، وممن كان يستلم راتبه من مصح عقلي وصار رئيس وزراء لان الحدود في العراق لا وجود لها بين العاقل والمجنون،
ولأن العقل في العراق ليس من شروط المسؤول. ما من أحد يخسر شيئاً ولا عود ثقاب لو تخيلنا، مثلا، أن الموصل لم تسقط، وداعش ومثيلاتها غير موجودة،
وان محل جبار أبو الشربت مفتوح منذ عقود، وحانة سرجون قائمة وشارع ابو نؤاس يضج بندماء الليل، ومحل لبن أربيل أمام وزارة الدفاع مفتوح،
والإخوة الأكراد يأتون الى بغداد لبيع العسل والكرزات والقبج،
والفستق والجوز لتقوية فحولة العرب، كما لو يأتون الى بيوتهم،
ويصرفون ما كسبوه في حانة أو في شراء هدايا للأهل المنتظرين.
لنتخيل ان خميس الخنجر لا يزال يتاجر بالغنم والسجائر المهربة وصالح المطلك يسرح في بعران الرئيس وحدائقه، والأشقاء النجيفي ما زالوا يعملون في إسطبل للخيل.
لنتخيل، مثلاً، أن بعض زعماء اليوم، كان بالأمس القريب يتخيل شراء حذاء،
وهو اليوم صاحب مملكة مالية، تمتد من طويريج وحتى سنغافورة،
دون أن تمر في مدن الصفيح.
لنتخيل أن مهدي هادي لم يقتل وهو حي اليوم، مشعاً وضاحكاً في مقهى،
وأن الكاتب خضير ميري لم يمت، وهو موت يشبه القتل،
وشارع الرشيد مضاء في الليل، ومطعم باجة الحاتي ملتقى ملوك الليل،
في بغداد عاصمة الرشيد، ومصطبة الشاعر عبد الأمير الحصيري
قرب عمارة وكالة الانباء العراقية سابقاً في شارع” أبو نؤاس” ما تزال موجودة لم تسرق،
يوم كنا هو وأنا نتشاجر للنوم عليها في الصيف الحار لأنها تحت شجرة وقد طوبها كملكية خاصة له، أمام النهر ولا يشوه المنظر على قول الحصيري
غير القصر الجمهوري عبر النهر،
مع انه لا يملك داراً ومات في فندق في الصالحية وهو في منتصف الثلاثين. كنا نتشاجر على ظل شجرة في بلد من أغنى بلدان العالم.
لنتخيل أن تمثال السعدون لم يسرق، وأرقام الحافلات لم تتغير،
ويوسف العاني لم يمت ، لنتخيل أننا نمشى، الآن، على الشريط النهري على أبو نؤاس، وحتى مقهى عزاوي وفيها المدلل زعلان، ثم تتوقف قربنا لاندكروز بيضاء أو النسر السماوي التابع للأمن العام وحامل أرواح الموتى.
لنتخيل أننا نجلس في مقهى أم كلثوم قرب باب المعظم، ونصغي لأغنية” رباعيات الخيام” ونصف الزبائن “فرارية” من الجيش،
وتدخل فجأة مفرزة إنضباط وتغلق الباب. هذه الكبسة لا تحتاج للتخيل،
لا مجال ابداً: للحب وقت، و للرعب وقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى