كتاب وشعراء

كان أبي…….بقلم بسام المسعودي

كان أبي حادّ الطباع،
يختصر الحبَّ في نظرة،
ويغلق الأبواب كمن يعلن الحرب،
ورث عن أبيه أنفًا طويلًا يشتمُ به الكذب من بعيد،
وشاربًا سهل له الإقناع بالصراخ،
وكان إذا غضب، احمرّ كل شيءٍ في الغرفة،
حتى ظلالنا على الجدران.
عرف المدينة منذ صغره،
ركض في أزقتها كأنها جزء من دمه،
تعثر في الحارات القديمة،
وقبل أن يفتل عضلاته،
زوّجوه امرأة لا تعرف غير الصبر،
فأحبّها بطريقته…
كأن يترك لها القهوة على الحصير،
أو يغلق الباب بهدوء حين تبكي.
كان أبي لا يتقن الغزل،
لكنه إذا قال “أنا هنا”،
توقفت الريح عن العبث بالنوافذ.
الويل الذي مرّ به،
لم يكن قصيدة ركيكة في دفاترنا،
بل خاضه بحرًا وبرًّا،
وخرج منه كجندي نجا من ألف معركة
ولم يتفاخر بشيء.
كان صوته جافًا كحطب الشتاء،
لكنّ دمه يحمل موسيقى قديمة،
تُشبه أناشيد الغياب حين تخرج من فم أمٍّ تنتظر.
وكان جبلًا…
جبلًا اعتادت النجوم الوقوف عليه،
كأنها تستند لكتفيه حين تنهكها السماء،
وكان إذا صمت، سقطت القرى من خرائطها،
وإذا تنهد، عاد الزمن قليلاً إلى الوراء.
علّمني أن الحياة لا تُفهم،
لكن يمكن احتمالها،
أن النخوة لا تُكتب في المناهج،
وأن الخبز الحارّ أجمل من كلّ الخطابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى