رؤي ومقالات

محمد يونس يكتب :من الصعب معرفة كيف كان مجتمع ما قبل الدعوة

مع إفتتاح عام 641 م كان القائد عمرو بن العاص ومعه ثلاثة الاف و خمسمائة من بدو الجزيرة الذين جمعهم ولم يهذبهم الاسلام (بعد ) ،يزحفون في إتجاه وادى النيل قادمون من العريش .. مجهول حقيقة أهدافهم ..جوعي يتوقون الي الظل والماء البارد و أسر الصبايا اليافعات .
في مواجهه مع فصائل جنود المحتل البيزنطي الذين يقودهم (المقوقس ) و يعاني من مشاكل تتصل ببعد قواعد امداده من الوطن الام ..
و بينهم شعب أغلبه يؤمن بالمسيحية.. يعيش في قرى متفرقة منفصلة ..مستسلم ..مستفذ طاقته بواسطة من يجمعون الغلة لصالح القيصر ومضطهد بسبب خلافات مذهبية بين قيادته الدينية الفارة لاديرة سرية بالصحراء وقسوة محتليه من وحوش رجال الامبراطور هرقل .
شعب .. يعاني من الجهل وفقد الثقة في النفس بسبب طول التهميش الذى زاوله عليه أغراب يحكمونه لمدة الف سنة بدأت بقمبيز و إنتهت بالمقوقس . ..لتفتح صفحة جديدة من البؤس إستمرت لالف سنة أخرى هي اكثر القصص تأثيرا في دفتر إنكسار المصريين و تحويلهم من شعب مستعمر له ملامح .. إلي أقنان من الموالي المستنزفين .
في أواخر القرن الثالث، قسم الإمبراطور دقلديانوس الإمبراطورية الرومانية إلى نصفين ، الإمبراطورية الغربية ومركزها مدينة ميلان، والإمبراطورية الشرقية في بيزنطة ، التي عرفت فيما بعد باسم القسطنطينية.
سهل التقسيم حكم الإمبراطورية في المدى القصير ، لكن مع مرور الوقت تباعد الشطران بشكل محسوس ، فلقد فشل الشرق والغرب أن يعملا معا لمكافحة التهديدات الخارجية ، واختلفا في كثير من الأحيان على الموارد والمساعدات العسكرية .
مع اتساع الهوة ، نمت ثروة الإمبراطورية الشرقية التي تتحدث اليونانية إلى حد كبير بينما انحدر الغرب الذي يتحدث اللاتينية متخبطا في ازمة اقتصادية طاحنة .
الأهم من ذلك، أن قوة الإمبراطورية الشرقية حولت غزوات البرابرة بعيدا عنها إلى الغرب ، فمدينة القسطنطينية كانت محصنة و تخضع لحراسة مشددة ، بينما كانت ايطاليا تتراجع.
و هكذا فيما انهارت البنية السياسية لروما في القرن الخامس ، استمرت الإمبراطورية الشرقية لألف سنة أخرى قبل أن تتغلب عليها الإمبراطورية العثمانية عام 1400 م.
دون التورط في شرح اسباب الاختلافات التي صاحبت المجمعات المسيحية المتتالية أو المناقشات الفكرية و الفلسفية الصعبة التي دارت هناك و يشوبها الكثير من الشوفونية و الرغبة في السيطرة … إلا أن عزل بطريرك أنطاكية ساويريوس عام 518 م لكونه من أصحاب إتجاه الطبيعة الواحدة (اللاهوتية ) للسيد المسيح شكل تغيرا جذريا في علاقة المسيحيين من المصريين بالسلطات المحتلة (التي تؤمن بأن له طبيعتين أحدهما لاهوتية و الاخرى ناسوتية )،
وهكذا من خلال مجمع محلي عقد في القسطنطينية، رفض البطريرك المعزول هذا القرار وانتقل إلى مصر حيث أدار جزءًا من كنيسة الاسكندرية .. في حين أدارفسم أخر من الكنيسة بطريرك (خليقدوني).
بمعني أن ما حدث في أنطاكية من صراع إنتقل الي الإسكندرية ولكن بشكل أكثر تفاقما بعد أن شكّل أصحاب الطبيعة الواحدة (اللاهوتية )أو المونوفيزيون قاعدة شعبية كبيرة في مصر، عانوا بسببها من شتى أنواع الاضطهاد على يد ممثلي الإمبراطورية البيزنطية بالرغم من أنه (اى الاضطهاد ) عمّق الشرخ الحاصل في الإمبراطورية بين الفئتين…و لم يأت بالثمار المرجوة .
سنة 622 م أقر الامبراطور (هرقل) عقيدة جديدة هي المونوثيلية بمعني طبيعتين في مشيئة واحدة كحل وسط لكن أصحاب الطبيعة الواحدة رفضوا الصيغة الجديدة مما افتتح عهدًا من الاضطهادات لكنها لم تطل بسبب وقوع المنطقة بيد الجيوش البدوية القادمة من شبه الجزيرة العربية.
الدكتور (جواد علي) في موسوعته عن ((العرب قبل الاسلام ))يوضح من هم (هؤلاء) البدو الذين زحفوا بالاف علي جيرانهم المزارعين
((من الأمور التي تثير الأسف، تهاون المؤرخين في تدوين التأريخ الجاهلي، ولا سيما القسم القديم منه، الذي يبعد عن الإسلام قرنا ًفاكثر، فإن هذا القسم منه ضعيف هزيل، لا يصح أن نسميه تأريخا، بعيدا في طبعه وفي مادته عن طبع التواريخ ومادتها.
المؤرخون العرب لم يظهروا مقدرة في تدوبن التأريخ الجاهلي، بل قصروا فيه تقصيراَ ظاهراً. فاقتصر علمهم فيه على الأمور القريبة من الإسلام، على أنهم حتى في هذه الحقبة لم يجيدوا فيها إجادة كافيه، ولم يظهروا فيها براعة ومهارة، ولم يطرقوا كل الأبواب أو الموضوعات التي تخص الجاهلية. فتركوا لنا فجوات و ثُغراً لم نتمكن من سدّها وردمها حتى الآن .))
ثم يكمل متساءلا عن الأسباب التي دعت إلى حدوث ذلك وهل كان تعمد طمس أخبار الجاهلية أو أن العرب البدوعند ظهور الإسلام(( بسبب انهم لم يكن لديهم كتب مدونة في تأريخهم ولا علم بأحوال أسلافهم، وأن الاسباب كانت قد تقطعت بينهم وبين من تقدمهم فلم يكن لديهم ما يقولونه عن ماضيهم غير هذا الذي وعوه فتحدثوا به إلى الإسلاميين، ووجد سبيله إلى الكتب؟))
أم أن العرب ((لم يكونوا يميلون إلى تدوين تواريخهم، فلم يكونوا مثل الروم أو الفرس يجمعون أخبارهم وأخبار من تقدم منهم وسلف، فلما كان الإسلام، وجاء زمن التدوين، لم يجد أهل الأخبار أمامهم من شيئاً غير هذا الذي رووه وذكروه من بقايا ما ترسب في ذاكرة المعمرين من أخبار.))
و هكذا لم نعرف بيقين ماذا كان خطاب الجيوش الغازية للشعوب التي إحتلوا أراضيهم . . بحيث كما يرى عدد من الباحثين أن (( المسيحيين الشرقيين دعموا عملية الغزو، خصوصًا الغساسنة والمناذرة وكذلك فعل المسيحيون (السريان)، ويقال أن سكان المدن السورية على نهر الفرات فتحوا أبواب المدن مهللين للفاتحين الجدد، وكذلك فعل مقاتلو الجيش البيزنطي خلال معركة اليرموك.))
هذه المقولات عن ترحب مسيحي الشرق (الغساسنة و المناذرة و السوريون )بالقوات الغازية ، لم يقبلها من أرخو لهذه الفترة الا في إطار أن السادة المهللين المرحبين كان قد تصوروا أن البدو القادمين علي ظهور الخيل إنما هم من انصار احد المذاهب المسيحية (المسمي بالاسلام ) التي تتبع تعاليم (النساطرة )او( الاريوسيين)الذين يؤمنون بالطبيعة(الناسوتية ) الواحدة للمسيح و الذين كانوا منتشرين بكثافة في شبه الجزيرة العربية في اواسط القرن السادس الميلادى هاربين من إضطهاد قياصرة القسطنطينية .
نكمل حديث الدكتور (جواد علي) الذى زعم إن رغبة الإسلام كانت قد اتجهت إلى استئصال كل ما يمت إلى أيام الوثنية في الجزيرة العربية بصلة، مستدلا بحديث: (الإسلام يهدم ما قبله)، فدعا ذلك إلى تثبيط همم العلماء عن متابعة الدراسات المتصلة بالجاهلية، والى محو أثار كل شيء تفرع عن النظام القديم،
(( فإنهم لم يميزوا بين ما يتعلق منه بالوثنية والأنصاب والأصنام،وبين ما يتعلق بالحالة العامة كالثقافة والأدب والتأريخ ، فكان من نتائجه ذهاب أخبار الجاهلية، ونسيانها، وابتدأ التأريخ لدى المسلمين بعام الفيل. ولهذا كان المؤرخون أو الأخباريون، الذين يحاولون تدوين أخبار الماضي وحفظ مفاخره، ينظر اليهم شزراً في المجتمع الإسلامي، وخاصة في العهد الإسلامي الأول والراجح أن السبب في ذلك هو الرغبة في عدم دراسة الأشياء التي قرر الإسلام طمسها، أعني بذلك الديانات والطقوس الوثنية في بلاد العرب))
((كما جاءوا بدليل آخر في إثبات أن الإسلام كان له دخل في طمس معالم تأريخ الجاهلية، إذ ذكروا أن الخليفة، (عمر) ساًل بعض الناس أن يرووا بعض التجارب الجاهلية، أو ينشدوا بعض الأشعار الجاهلية، فكان جوابهم: لقد جب الله ذلك بالإسلام، فلم الرجوع. فوجدوا في امتناعهم عن رواية الشعر الجاهلي أو أخبار الجاهلية، دلالة على كره الإسلام لرواية تأريخ الجاهلية وانتهاء ذلك إلى طمس معالم ذلك التأريخ)).
وهكذا من الصعب معرفة كيف كان مجتمع ما قبل الدعوة ولكننا نستطيع بدرجة مناسبة من الثقة أن نقول ان الثقافة التي سادت في ذلك الزمن و العلاقات الاقتصادية والاجتماعية كانت تدور في الغالب حول مجتمع بدوى يحمل كل الملامح المعروفة لمثيله عبر العصور وانه قد تم دعمه من الخارج(بواسطة الجماعات المسيحية (الايروسية )اللاجئة لشبه الجزيرة والتي كانت تؤمن بإنسانية المسيح ومضطهدة بسبب ذلك في جميع أنحاء الامبراطورية ) فأثرت بجعل السكان المتصارعين دوما علي الكلاء و الماء المختلفي اللغات و اللهجات والاديان جماعه موحدة متماسكة قادرة علي هزيمة اضخم إمبراطوريتين عرفهما الزمن القديم
.
سؤال شديد البراءة .. لابد من طرحه .. هل كانت السيدة خديجة رضي الله عنها و إبن عمها ورقة بن نوفل من أتباع المسيحي الفار للجزيرة (إريوس ) لذلك لم يتزوج سيد الخلق عليها حتي وفاتها !!.وكان مقتنعا أن السيد المسيح( النبي إلانسان ) لم يصلب و إنما شبه لهم .
و هكذا لن يكون مدهشا أن معظم طقوس و اساليب القوم في الحياة لم تتغير باعتناقهم الدين الجديد إلا قليلا .. شهورهم قمرية و مناسك حجهم إبراهيمية و حرفتهم الغزو للمناطق الغنية او الزراعية .. قطع الطرق علي القوافل وسلبها سار كما إعتادوا ، او الكعبة لم تختلف الا بازاحة الاصنام من حرمها .. والتجارة في العبيد و الجوارى والاغنام و الابل كما هي ..وأسلوب تقسيم غنائم الغزوات و الحروب ..إحتقار المرأة حتي مستوى إعتبارها جلابة للعار و الشؤم .. الولاء لشيخ القبيلة المتحكم في الارزاق والامان..التفاخر بالانساب مع إلاقلال من شأن الاخر لم يتبدل حتي لو كان قيصرا او كسرى ..فلنقرأ ماذا كتب المسعودى عن المصريين ((نساؤها شر نساء الارض وعندهم خبث ودهاء و مكر ورياء وهي بلد مكسب لا مسكن .. فكن منهم علي حذر )).. او ماذا كتب عنهم ابو الصلت ((أهل مصر الغالب عليهم إتباع الشهوات و الانهماك في اللذات و الانشغال بالترهات .. و التصديق بالمحالات وعندهم مكر وخداع ولهم كيد و حيل )).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى