جثة شاعر ……بقلم زكريا شيخ أحمد

جثة شاعر
في المساء الذي متُّ فيه…
كان الهواء بطيئاً كقُبلةٍ أُجّلت ثلاثين عاماً .
أغمضتُ عيني…
و قلتُ أخيراً : انتهى كلّ شيء.
لكن يدي اليسرى لم تصدق قلبي.
ظلت تتحرك على الطاولة
كأنها تبحث عن حبرٍ
لتقول شيئاً لم أكتبه و أنا حيّ.
لم يأتِ أحدٌ ليغلق عينيّ ،
النافذة وحدها فعلت
فصفعتُها يدي.
كنتُ ممدداً كأنني صفحة أخيرة
في رواية سيئة ، لكن إصبعي…
راح ينقّط شيئاً على الأرض
نقطة، فاصلة، دم .
قالت الممرضة بالألمانية حين رأتني:
لقد مات …
Er ist gestorben…
لكن جسده يبدو مشغولاً .
حاولوا تغطيتي بالكفن ،
لكن القصيدة لم تنتهِ.
رفضَ لساني أن يتوقف
و كلما أغلقوا فمي…
فتح الحبر فم الورقة.
لم يصدّق الطبيب…
أن كلمة “أحبك”
خرجت من صدري
بعد ربع ساعة على موتي
كأن قلبي ظلّ يبحث عن مستمع
حتى بعد أن تحوّل إلى سرداب.
في اليوم الثالث… وقف ظلّي فوق رأسي
و قال للحاضرين:
اتركوه…
إنه يحاول أن يكتب نفسه حيّاً.
مات عقلي، لكن جثتي
ما زالت تشطب الأسطر الأخيرة
من حياتي.
كلّ ما كنتُ أهرب منه
أخذ ينزل الآن من عينيّ…
كدمعة ثقيلة
مكتوبة بخطّ الجروح.
لم أُدفن بعد… لأني لم أقل كل شيء.
و لأنّ الشعراء .. أيها السادة…
لا يموتون فجأة، بل على مراحل،
كلّ بيت أو جملة… دفنة.