د.محمد إبراهيم العشماوي يكتب :مكاسب #التيك_توكرز وأخواتها!

في زمن تعصف فيه #الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والخلقية بالناس عصفا؛ لعب الشيطان بعقول بعض الناس، فجندهم لنشر #الرذيلة، ومحاربة الفضيلة، ووعدهم ومَنَّاهم بالثراء السريع السهل غير المكلِّف، عن طريق المتاجرة في #الشهوات، بعرض الأجساد الفاتنة، والكلمات الماجنة، والإغراءات الجنسية تصريحا أو تلميحا!
وتطالعنا الأخبار كل يوم بالقبض على #التيك_توكر فلانة التي تقدم محتوى #إباحيا، من شرطة حماية الآداب، ودارت مناقشات نيابية حول ما يمكن اتخاذه من إجراءات قانونية ضد هذه #المواقع، حجبا أو تقييدا، حتى أصبحت أخبار هؤلاء الفتيات تتصدر وسائل التواصل الاجتماعي، مما ينذر بكارثة اجتماعية وأخلاقية غير مسبوقة!
وقد استشرى هذا الداء الوبيل في بعض الفتيات المهذبات، في دائرة الخصوصية، على استحياء من نشره على نطاق واسع!
وهكذا كل منكر لا يُقاوَم من أوله؛ تتسع دائرته، فيتسع الخَرْقُ على الراقع!
والشرُّ إن تَلْقَهُ بالخيرِ ضقتَ به
ذَرْعًا وإن تَحْسِمْهُ ينحسمِ!
ما الذي دفع بهؤلاء الفتيات، إلى الدخول في سوق الشهوات، والمتاجرة بأجسادهن؟!
سؤال لا بد أن يجيب عليه علماء الدين والنفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، قبل أن يجيب عليه رجال الأمن والقضاء!
إن #جسد المرأة محترم، لا ينبغي أن يكون وسيلة من وسائل الكسب، إلا إذا كان عملا مباحا شرعا!
ومتاجرة #المرأة بجسدها من حيث كونها أنثى؛ كسب خبيث، وهو من شأن الإماء، لا من شأن الحرائر، فالمرأة التي تتخذ من جسدها سلعة للعرض والبيع؛ هي أمة، وإن زعمت أنها حرة، وفي منطق العرب الأحرار قبل أن يجيء الإسلام: “تجوع #الحرة ولا تأكل بثدييها”، ومعنى هذه العبارة – كما في [شرح مقامات الحريري] للشريشي: “أي لا تُرضع لبنها بالأجرة، ثم تأكلها – أي الأجرة – وهو مَثَلٌ يُضرب للذي لا يمنعه من صيانته شدّةُ فقره، وهذا المثل للحارث بن سليل الأسديّ”.
ولعله يسبق إلى أذهان البعض أن معناه أنها تجوع ولا تزني، وهذا المعنى غير مراد، فقد كان الزنا عند حرائر العرب؛ في معنى الحكم على الحرة بالإعدام حسا ومعنى!
ولعل مما يعبر عن نفور الحرة من #الزنا أتم تعبير، وأنه مستبعد في طبيعة الحرائر؛ قول هند بنت عتبة، للنبي صلى الله عليه وسلم، حين بايع النساء على ألا يزنين، مستنكرة مندهشة: “أوَ تزني الحرة؟!”.
أما كون المتاجرة بجسد المرأة من سمات #الإماء، وأنه لا يكون إلا في مجتمع جاهلي؛ فيشير إليه القرآن بقوله تعالى: “ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء، إن أردن تحصنا؛ لتبتغوا عرض الحياة الدنيا”.
قال الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: “كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة؛ أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام، نهى الله المسلمين عن ذلك.
وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة – فيما ذكره غير واحد من المفسرين، من السلف والخلف – في شأن عبد الله بن أبي بن سَلول المنافق، فإنه كان له إماء، فكان يُكرههن على البغاء، طلبا لخراجهن، ورغبة في أولادهن، ورئاسة منه، فيما يزعم، قبَّحه الله ولعنه”.
وشرط الكسب في الإسلام أن يكون حلالا طيبا، كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وهي من كثرتها وشهرتها لا تحتاج إلى تمثيل!
ومن وظائف النبي صلى الله عليه وسلم التشريعية، كما وصفه ربه في القرآن: “يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ “.
وكسب المرأة بجسدها من حيث كونها أنثى؛ لا يخلو إما أن يكون معروفا، فيؤمر به، أو منكرا، فيُنهى عنه، وإما أن يكون طيبا فيُحَل، أو خبيثا، فيُحَرَّم، وقد أجمع العقلاء على أنه منكر خبيث، فوجب أن يكون منهيا عنه، محرما!
وفي الأحاديث الصحيحة: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البَغِيِّ”، وفيها: “مهر #البَغِيِّ خبيث”، قال الإمام النووي في [شرح صحيح مسلم]: “وهو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهرا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين”.
وفي رواية أخرى صحيحة: “نهى عن كسب الإماء”. هكذا ورد مطلقا.
قال النووي: “فالمراد به كسبهن بالزنا وشبهه، لا بالغَزْل والخياطة ونحوهما”.
ففرق بين الكسب المحرم والكسب الحلال!
قال ابن الأثير في [النهاية]: “وَفِيهِ “أَنَّهُ نَهى عَنْ كَسْب #الْإِمَاءِ”. هَكَذَا جَاءَ مُطْلقاً فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفِي رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ خَديج مُقَيَّداً “حَتَّى يُعْلَم مِنْ أَيْنَ هُو”.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى “إلاَّ مَا عَمِلَت بِيَدها”.
وَوَجْه الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ كَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إمَاءٌ، عَلَيْهِنَّ ضَرَائِبُ يَخْدِمْنَ النَّاسَ، ويأخُذْنَ أجُورَهنّ، ويُؤدَّين ضَرائِبَهُنّ، ومَن تَكُونُ مُتَبَذِّلةً خَارِجَةً داخِلة وَعَلَيْهَا ضَرِيبَةٌ؛ فَلَا تُؤْمِنُ أنْ تَبْدُوَ مِنْهَا زّلَّة، إِمَّا لِلِاسْتِزَادَةِ فِي المَعَاش، وَإِمَّا لِشَهْوة تَغْلِب، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، والمَعْصوم قَلِيلٌ، فَنُهي عَنْ كَسْبِهنّ مُطْلقاً تَنَزُّهًا عَنْهُ”. انتهى.
فتأمل توجيه ابن الأثير لرواية الإطلاق؛ ليُلحق بالزنا مقدماته ودواعيه احتياطا؛ لأنه لا يؤمن على الأَمَة كثيرة الولوج والخروج والامتهان، من زلة تقع منها، أو تفريط في نفسها، طلبا لزيادة المال، أو لغلبة شهوة، فنهى الشرع عن الانتفاع بكسبها مطلقا من باب التنزه!
والحاصل: أن #الكسب الذي يأتي عن طريق المتاجرة بجسد المرأة، بأي صورة من الصور، سواء من زنا أو من مقدماته، بالفعل أو بالقول أو بالإشارة أو بالتلميح أو نحو ذلك؛ كسب #حرام، خبيث، وسحت، لا يحل الانتفاع به، وكل لحم أو جسم نبت من حرام أو سحت؛ فالنار أولى به!
وبالله التوفيق.