رؤي ومقالات

د. فيروزالولي تكتب :”ذهب الأمان”: نهبٌ بالأونصة… وعدالة بالقطّارة!

أيها المواطن، إن كنت لا تزال تحتفظ بذهب والدتك، أو خاتم زواجك، أو حتى “حلق” طفلتك، فاحرص عليه كما تحرص الدولة على فسادها: لا تفرّط به. لا تسلمه لأحد، خصوصًا إذا كان يرتدي بدلة أنيقة، ويمضغ كلمات مثل “ثقة”، “أمان”، و”استثمار مضمون”.

في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي بلاد كل شيء فيها مباحٌ إلا الحساب، ازدهرت شركة “الأمان” لتداول الذهب والمجوهرات. ويا ليتها كانت تتداول الذهب فقط! بل تاجر أصحابها بأحلام الناس، بمدخراتهم، وأحيانًا حتى بذكرياتهم التي سكبوها في سبائك ومحابس. أما الدولة؟ فكانت تتداول صمتها!

ذهب في يد بيلوني… وعدالة بجيبة أحد!

قصة شركة الأمان ليست فيلم “نتفليكس” بوليسي، بل واقعة دامغة حيّة تسير على عجل بين الضحايا، والقضاء، والمشتبه بهم الذين ما زالوا يتنفسون حرية أوكسجين النظام الطائفي اللبناني. آلاف المودعين سلّموا ذهبهم مقابل وعد بإعادته بعد استيفاء قرض. ولكن حين طالبوا بما أودعوا، سمعوا عبارة واحدة: “الملف عند القاضية”. أما الذهب؟ فغالبًا صار “تحت البلاطة”، أو “خارج الحدود”، أو ربما تم “تسييله” على مذبح دولة لا تستحي.

“جعفر بيلوني”: اسم على مسمّى… لا يُرى!

نعم، جعفر بيلوني، المتهم الرئيسي، لا يزال حرًّا طليقًا، كأن القانون يرتدي نظارة شمسية في ليل بيروت الدامس. لا منع سفر، لا استدعاء، لا توقيف. يبدو أن الذهب الذي اختفى يحمل معه قدرة خارقة على إخفاء المتورطين أيضًا. بعضهم أصبح “بيلونياً” في المال، والوقاحة، والحصانة!

الضحايا: بين النصب والنق

بين عجوز أودعت أساور ابنتها، وشاب رهن خاتم زواجه ليعالج زوجته، وبين مهاجر سحب ذهب والدته المغتربة ليستثمر، آلاف القصص تُروى… ولا تُروى. بعضهم هُدِّد، وبعضهم ضُرب، والباقون يضربون كفًّا بكفّ. أما الدولة، فتضرب أخماسًا بأسداس كلما سُئلت: “وين صارت القضية؟”

القاضية غادة عون: بين المطرقة… والمطارق

منذ أن أمسكت القاضية غادة عون بالملف، انتظرنا زلزالًا. لكنها ربما، بسبب كثرة القضايا التي تُركت على طاولتها ككومة غسيل مهملة، لم تتحرّك. فالملاحقة القضائية في لبنان مثل الإبرة في كومة القش: قد تجدها، لكن فقط بعد أن تصدأ.

إعلام متواطئ؟ أم إعلام متقاعد؟

الغريب أن بعض وسائل الإعلام لم تغطِّ الفضيحة بما تستحق. ربما لأن الذهب لا يلمع فقط في الأعناق، بل في الجيوب أيضًا؟ أو لأن في لبنان، ما دامت الفضيحة “محلية” و”داخلية” و”شي فشخة ضاحية”، فلا تستحق العويل الإعلامي إلا إذا كانت قادمة من أوروبا أو مصنّعة في الخارج.

خلاصة: ذهب الأمان… سرق “الأمان”

شركة الأمان هي المرآة الصقيلة لما وصلت إليه “جمهورية الذهب الأسود”: حيث اللص محترم، والمواطن مذنب، والقضاء ينتظر موافقة من فخامة الطائفة.

إننا لا نعيش أزمة ذهب، بل أزمة ضمير مغشوش… تمامًا مثل السلسلة المطلية التي يبيعها المحتال على أنها “عيار 24”.

فيا قضاء لبنان، اسمع جيدًا:
المطلوب ليس فقط استرجاع الذهب، بل استرجاع الكرامة المفقودة في خزائن دولةٍ تسرقنا مرتين: مرة حين نصمت، ومرة حين تضحك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى