كتاب وشعراء

جنازة بأحذية حمراء….بقلم محب خيري الجمال

جنازة بأحذية حمراء
كانت تعرف أن الضوءَ لا يأتي من الشمس،
بل من الأشياء التي نكسرها حين نحب.
كانت تمشي
كما لو أنها تعبرُ على جثثٍ لا تراها
وتضحك،
لأنّ الضحكَ، في النهاية، ليس سوى
طريقة مهذبة للبصق على جدار العالم.
كانت تلبس الليلَ كقميص داخلي،
وتخلعه كلما أرادت أن تنجبَ فكرةً
أكثر شرًّا من أطفالها الحقيقيين.
كل مساء،
تضع ساقا على أخرى
كأنها تقطع بها جملةً ناقصة في كتاب سماوي،
وتنتظر
أن يسقط الموت في كأسها كحشرة سكرى.
هو،
ذاك الذي كانت تطلق عليه اسمًا
ثم تمزّق الاسم بأسنانها في آخر السطر،
كان يراها أكثر من امرأة،
وأقلّ من نجمة،
شيئاً بين الزفير والهاوية،
بين قبلةٍ ضائعة
ومذنبٍ لم يبلغ تمام اشتعاله.
لم يكن يريد منها سوى أن تكذب عليه
بطريقةٍ تجعل الكذب يبدو كدعاء،
أو كذكرى لفرحٍ غير مؤكد.
كان يراها في نومه
كمدينة بلا مخارج،
كلما حاول الهروب منها
أرسلت له صدرها كمتاهة
وسرتها كخريطة لغته القديمة.
هي،
التي تمسح دموعها بخارطة العالم،
ثم تضحك لأن البحر،
لا يعرف كيف يعزّي المدن التي يبلعها.
كانت تعاني من فائضٍ في الجمال،
وفقرٍ شديد في السبب.
وحين سألها عن ماضيها
أجابت:
كان حفلاً تنكريًا،
والدماء لم تكن دمي،
بل مجرد خطأ عفوي في شهادة الميلاد.
وكان يصدقها،
لأن الكذب، حين يُقال بصوت ناعم،
يبدو كنوعٍ من الحقيقة المعلّقة.
كلما حاول لمسها،
تحوّلت إلى شيءٍ
لا يمكن تفسيره،
كألمٍ في مكان لا يوجد فيه جسد،
أو كجنازةٍ تمرُّ بك،
لكنها تقام لك.
هي الآن،
تقفُ في منتصف الحلم
عاريةً تماما من الذنب،
وكلما نظر إليها،
شعر أن اللهَ
قد بالغ كثيرًا في فكرة الخلق.
تُشعل سجائرها من ضوء القمر،
وتقول إن الرغبة
هي اختراع العاطلين عن الحب،
وأن القبلة
ليست أكثر من بندقية صغيرة
تطلق رصاصة واحدة فقط،
لكنها تصيب القلب والعقل معًا.
وفي الليلة التي قرر أن يقول لها كل شيء،
أخرجت قلبها من حقيبة يدها
ووضعته على الطاولة
كطبقٍ جانبي،
ثم نهضت،
وانزلقت خارج حياته
كما تنزلق دمعةٌ
من عين مقطوعة.
لم يعرف بعدها إن كان يحبها
أم كان مجرد شاهد زورٍ
في جنازةٍ بأحذية حمراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى