رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :التاريخ الحقيقي للاحتلال

ــــــــــ عندما يصل الانسان مرحلة من الابتذال، لا يعود يميز بين الحياة الحقيقية ، الوجود الأصيل، والوجود الزائف * مارتن هايدغر.
التاريخ الحقيقي للاحتلال وقع قبل التاريخ المعلن في 2003
لكن هذا هو الاعلان الختامي عنه، لأنه حدث أقدم من ذلك بسنوات.
هذا الإحتلال حدث من اليوم الذي تحول فيه الانسان العراقي
الى حشرة تزحف وتم نزع كرامته وآدميته وحشوه بالقسوة والذل.
هذا الاحتلال حدث يوم كانت تُعطى للعراقي حقوقه كمكرمات وهدايا،
ويساق الى حروب لاهداف لا يعرف عنها شيئاً.
هذا الاحتلال وقع يوم كان ابن الشيخ يعير ابن بائع السمك: ” أبوي شيخ وأبوك بياع زوري”.
هذا الاحتلال حدث يوم كانت التراتبية هي الفصل العنصري والطبقي
الذي يحكم المجتمع من خلف ستار كالقانون الصارم،
فلا يقترب إبن أو إبنة حي المنصور من إبن أو إبنة حي الثورة والفضيلية ومعامل الطابوق،
لأن نظام الفصل العنصري يحرم علاقات انسانية قائمة على العدل والمساواة والحب بل على الزبائنية كخدم بيوت وحدائقية وباعة حليب. العراقي الزنجي ليس العراقي الاسود بل الفقير وهو الكافر الوحيد في السوق، خارج وليمة المقاولين وخارج السلطة بل خارج الحياة.
الحب هنا والفرح طبقي وسياسي وتجاري واقتصادي بلا أي عاطفة صافية لا تهدف غير نفسها. الاقصاء الجنسي في علاقات مشروعة هو نتيجة العقل السياسي.
هذا الاحتلال وقع يوم كانت هناك “مدن بيضاء” و”مدن سوداء”، موالية ومعادية، مدن رفاق ومدن عامة لخلق مجتمع جديد، كما اليوم مدن السادة ومدن العامة،
لأننا في الزمن نفسه بلا قطيعة ثقافية معرفية مع الماضي.
لماذا تماسكت فرنسا،الاتحاد السوفيتي، النرويج، وكل الدول التي
إحتلتها النازية؟ لماذا حافظت التقاليد على متانتها وصلابتها وقوتها في ظروف إنهيار السلطة وهزيمة جيوش؟
السبب؟ لأنها قيم حقيقية متينة راسخة وليست قيماً مزيفة مبنية على الاكراهات والخوف،
ليست قيماً وأقنعة للتحاشي لذلك انهارت فوراً بعد زوال الكابس
عن الجيفة المغطاة.
لم تهاجم ضواحي باريس الاحياء الاخرى الغنية بعد الاحتلال، ولم يسرق أو يقتل سكان ستالينغراد بعضهم،
بل نظموا أنبل مقاومة في التاريخ وهم يتضورون جوعاً تحت مدينة
أنقاض وأشباح بعد أكل القطط والكلاب والخيول.
2003 ليس هو التاريخ الحقيقي للاحتلال، بل هو التاريخ الحقيقي للإنكشاف والفضيحة: فضيحة نظم حكم ومجتمع مخرّب ونفوس محطمة قبل الاحتلال:
” هذا الإحتلال وقع يوم تم تحويل الانسان الى حشرة تزحف مفرغ من الكرامة والآدمية ومحشو بالذل. المخلوقات المهانة لا تخرج لصد غزو ولو كان غزو جراد”ـــ رواية: صرخة البطريق.
قالوا لعنترة بن شداد الأسود أن يحارب فقال: ” العبد لا يكر”
وعندما قيل له: ” كر وأنت حر”
قاتل ببسالة لأن الحرية والوطنية أمران مترابطان كسبيكة الذهب،
لا يمكن أن تكون وطنياً ومكبلاً وعبداً في آن واحد.
طائر البطريق يطلق صرخات على الشواطئ تنذر بهبوب العاصفة،
فينسحب الصيادون: البطريق يعيش العاصفة مرتين، واحدة في الدم تحت الجلد قبل الهبوب وينذر ويحذر، والثانية خلال الهبوب،
هذا هو واجب المثقف الاستباق والتحذير، لكن في مجتمع أصم لا أحد يسمع أحداً، الكل وحيد في منفى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى