د.فيروزالولي تكتب :اقتصاد اليمن… مشكلته مش الدولار، مشكلته العقول!”

في اليمن، لا تحتاج إلى خبير اقتصادي لتعرف أن الوضع خربان من أساسه. ولا تحتاج إلى متابعة سعر صرف الدولار، لأن 90٪ من الشعب لا يشوف لا دولار ولا حتى ريال ثابت. الناس تعيش على فتات الرواتب — اللي ما تغطيش حتى قيمة مواصلات أسبوعية، ناهيك عن الأكل أو الكهرباء (لو كانت موجودة أصلاً).
ومع هذا، يخرج علينا مسؤول من شاشة مكيفة، يبتسم وهو يقول: “الوضع تحت السيطرة”. صحيح، لكن تحت سيطرتهم، مش لصالحنا.
الاقتصاد لا يتحسّن بكبح سعر العملة بالنشرات والبيانات، بل بقرارات فعلية:
أولًا: رفع الرواتب إلى 400 ضعف.
مش مزحة. الواقع أنه لا يمكن العيش في ظل الأسعار الحالية براتب موظف حكومي. التضخم أكل الأخضر واليابس، والراتب تحول إلى “علاوة معنوية” لا أكثر. لازم يكون هناك زيادة جذرية، مش ترقيعية.
ثانيًا: فتح باب التوظيف.
كم من خريج يمسك شهادة بيده ويبيع الماء في الإشارة؟ التوظيف اليوم مقتصر على أبناء المسؤولين و”المجربين سابقًا”. نحتاج شرايين جديدة تضخ دمًا في الدولة — لا شللًا بيروقراطيًا جديدًا.
ثالثًا: دمج المقاتلين لاستخدامهم في البناء بدل الهدم.
الآلاف ممن حملوا السلاح، ليسوا كلهم لصوصًا ولا مرتزقة. كثير منهم شباب انقطع بهم السبيل، وجدوا في البندقية وظيفة. بدل أن نتركهم في مهب “التمويل الخارجي”، لماذا لا ندمجهم ضمن جهاز الدولة؟
تأهيل أمني ومدني.
فرص توظيف في الشرطة، الدفاع، الحماية، الأشغال العامة.
استثمارهم في إعادة الإعمار بدل تركهم فريسة للتهميش.
الدولة التي لا تحتضن أبناءها، ستحاربهم لاحقًا. والرصاصة التي لم تُوجَّه بعد، يمكن أن تتحول إلى مِسمار إعمار إن وُجِد مشروع وطن حقيقي.
رابعًا: فتح الموانئ للصيادين.
لدينا بحر مفتوح، وخيرات لا تُحصى… لكن مجموعة من الفاسدين حوّلوه إلى إقطاعية بحرية. الصياد يحتاج فيزا، ورضا، وواسطات عشان يلم سنارته. الميناء محتكر، والسمك أغلى من اللحم، والمواطن بيصطاد من “سوق الغلاء” فقط.
خامسًا: تشغيل ميناء عدن.
هذا الميناء الذي كان يمكن أن يُنافس جبل علي ودبي، تحوّل إلى مخزن مؤجَّر وواجهة إعلامية للوعود. من يعطل الميناء؟ من يخاف من تشغيله؟ من لا يريد عدن أن تنهض؟ الجواب واضح… بس ممنوع النطق به على الشاشات.
سادسًا: تفعيل السياحة.
بلد عنده سقطرى، شبام، عدن، تعز، حضرموت، والمئات من المواقع التاريخية والطبيعية… ومع ذلك، لا سياحة. الدولة تروّج للخوف أكثر من الترويج للمواقع. السياحة مش بس دخل، بل رسالة، لكننا مصرّون على إغلاق النوافذ، والبقاء في العتمة.
سابعًا: الكهرباء… من الهبات الخليجية.
السعودية، قطر، الإمارات — كلهم قدموا مساعدات، لكن أين ذهبت؟ لم نرَ إلا المولدات المهترئة والفساد الذي يلتهم المساعدات قبل أن تصل للمواطن. الكهرباء أصبحت ترفًا، رغم أن لدينا مصادر تمويل كافية لو تم إدارتها بنزاهة.
ثامنًا: فرض ضرائب عادلة على الكبار، لا طحن الفقراء.
مش المواطن هو مصدر الميزانية! نملك إمبراطوريات مالية مثل: شاهر عبد الحق، الكبوس، هائل سعيد أنعم وغيرهم، يسيطرون على قطاعات كاملة من الاقتصاد. أرباحهم تدخل بصمت، بدون ضرائب، بدون جمارك حقيقية، بينما التاجر الصغير يُحاسب على فتات.
هل من المنطق أن ترفع الحكومة الجمارك على حليب الأطفال، وتترك استيراد الحديد والقمح والمشتقات النفطية بيد المحتكرين؟ هل من العدل أن الموظف الحكومي يُقتطع من راتبه الضئيل ضريبة، والتاجر الكبير “يدفع إذا حبّ”؟
أما عن الحكومة ورئيسها…
فاسأل عن سالم صالح بن بريك، رئيس وزراء من خلفية مالية، كان مسؤولًا عن جهات إيرادية تم نهبها لسنوات، واليوم “يُكلَّف بالإصلاح”. الإصلاح بماذا؟ بالخبرة في الجباية أم الخبرة في التجاهل؟ في أي دولة تُعيَّن القيادات الفاشلة لتقود مرحلة “الإنقاذ”؟!
—
الخلاصة:
مشكلتنا مش في الريال، ولا في الدولار، ولا في البنك… مشكلتنا في النظام الذي يعيد تدوير الفشل، ويُكافئ الفاسدين، ويترك الشعب وحيدًا في وجه الجوع.
نحتاج دولة تفهم أن الاقتصاد ليس ملفًا نظريًا في درج وزارة، بل لقمة عيش، وكهرباء، ووظيفة، وسوق عادل. نحتاج دولة تكسر مثلث الفشل:
“الراتب الهزيل – الفاسد الثقيل – المواطن الصبور”.
وحتى يحدث هذا… سنظل نضحك في وجه الجوع، ونردد:
“الله يعينّا، لأن الله لا يرزق من أُقفلت عليه أبواب البلد بيد تجّارها وحكامها.”