حسام السيسي يكتب :صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر: بين الأرقام والتبعية

في إعلان وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ”التاريخي”، كشفت شركة “نيو-ميد إنرجي” وشركاؤها في حقل “لفيتان” عن توقيع اتفاق لتصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة تُقدّر بـ35 مليار دولار، تمتد حتى عام 2040. وبموجب الاتفاق، سيرتفع حجم الغاز المصدر سنويًا من 4.7 إلى نحو 13 مليار متر مكعب، على مرحلتين: الأولى تبدأ العام المقبل، والثانية تُستكمل بعد توسيع حقل “لفيتان”.
لكن ما يُقدّم كإنجاز اقتصادي في تل أبيب، يبدو في القاهرة كصمت مريب، أو تجاهل متعمد، خاصة وأن الاتفاق يتجاوز مجرد صفقة تجارية إلى اصطفاف سياسي واقتصادي طويل الأمد.
بين الأرقام والواقع
المبالغ المعلنة ضخمة، والأرقام تبدو واعدة على الورق، لكن الواقع يحمل أوجهًا مختلفة:
مصر التي كانت تصدّر الغاز أصبحت تشتريه.
أكبر صفقة تصدير في تاريخ إسرائيل هي، فعليًا، أكبر صفقة استيراد غاز في تاريخ مصر من طرف لا تزال يداه تقطران دمًا من غزة.
التوقيت: تطبيع في ذروة الإبادة
الصفقة تم إعلانها:
بينما تُنفّذ إسرائيل حرب إبادة في قطاع غزة.
في لحظة حرجة تتجه فيها دول أوروبية، مثل سلوفينيا وهولندا، إلى معاقبة إسرائيل أو تصنيفها خطرًا بسبب سلوكها في غزة.
وسط موجة غضب شعبي عربي متصاعدة ضد أي شكل من أشكال التعاون مع تل أبيب.
بهذا المعنى، الصفقة ليست اقتصادًا فقط، بل رسالة سياسية صريحة بمواصلة التطبيع رغم الدم.
أين النقاش المصري؟
رغم ضخامة الرقم، لم يظهر نقاش جاد في الإعلام الرسمي المصري حول:
لماذا نشتري الغاز ولدينا حقل “ظهر”؟
ما أثر هذه الصفقة على الأمن القومي المصري؟
من الجهات التي فاوضت؟
ولماذا يمتد العقد حتى 2040؟
الغياب الإعلامي يعيد إنتاج مناخ الصفقات المغلقة التي تُمرر دون مساءلة شعبية أو برلمانية.
صفقة الغاز هذه ليست مجرد رقم في الميزان التجاري، بل عقد ارتباط سياسي طويل الأمد مع كيان استعماري في ذروة جرائمه. ومصر، التي طالما كانت مركزًا لرفض التطبيع، تُزجّ اليوم في دور الزبون الاستراتيجي لتل أبيب حتى عام 2040.
إن لم يكن هذا نوعًا من التواطؤ، فهو على الأقل انزلاق خطير في لحظة يجب أن تُكتب فيها المواقف بالدم لا بالغاز.