مصطفي السعيد يكتب :حكومة السماسرة وقانون الإيجارات الجائر

كان من الممكن حل أزمة الإيجارات القديمة بطريقة أكثر سلمية وعدالة وإنسانية، سواء برفع الإيجارات بقيمة تتناسب مع معدلات التضخم، أو عدم تمديد عقود الإيجار بوفاة المستأجر الأصلي، وألا يمتد إلا لأقاربه من الدرجة الأولى “الزوجة والأولاد” لفترة محددة، بوصول الأولاد إلى سن 21 سنة، ووفاة الزوجة أو طلاقها.
المشكلة مطروحة لنقاشات متقطعة طوال أكثر من خمسة عقود، وخلال هذه المدة الطويلة كانت الآراء تتجه إلى حل متدرج وهادئء، وإذا بالحكومة الحالية، متأثرة بقوة لوبي “السماسرة”، والذين تجملوا في شكل واسم “مطورين عقاريين” وشركات عقارات بأسماء رنانة معظمها أجنبي، لتقطع شرايين الفقراء من المستأجرين، وتقدمهم قرابين، ليس للملاك وحدهم، وإنما لمصلحة “الطبقة الجديدة” وشريحة السماسرة بالذات. ما العلاقة بين التسرع في إصدار قانون غير منصف بهذا الشكل، سيؤدي إلى سحق ملايين الضحايا ب”السماسرة الجدد”؟ واضح أن سوق العقارات يعاني من حالة ركود خطيرة، وفقاعة عقارية مهددة بالإنفجار في أية لحظة، يمكن أن تتسبب بخسائر فادحة للسماسرة وشركات العقارات والبنوك الممولة، ومن هنا ربما انطلقت فكرة طرد ملايين المستأجرين، لأن من بينهم شريحة يمكن أن تشتري عقارات جديدة بضمانات أو قروض، وبالتالي يرتفع الطلب على العقارات الراكدة، تسهم في تأجيل انفجار الفقاعة العقارية، وتحمي السماسرة من خسائر ضخمة وشيكة، وتقدم للبنوك وسيلة لاستعادة بعض تمويلاتها. إن قانون بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يصدر عن حكومة أغنياء، تراعي مصالح السماسرة والملاك، على حساب ملايين الضحايا من المستأجرين الفقراء، ولا يمكن الترويج لهذا القانون المعيب غن طريق إظهار بعض حالات لملاك لا يتقاضون إلا مبالغ زهيدة لشقق كبيرة، لأنها حالات استثنائية، يمكن معالجتها بطريقة أكثر عدالة وإنسانية، من إلقاء مئات آلاف، بل ربما ملايين من الفقراء والمرضى والمسنين على أرصفة الطرق أو الخيام، في عملية أشبه بالتهجير القسري.
علينا ألا ننسى أن الإيجارات القديمة كانت عادلة لعقود طويلة، لم يكن فيها هذا التضخم الفاحش الذي نراه، وأن الملاك كانوا يعلنون عن شقق للإيجار، ويبخرون شققهم حتى يأتي من يقبل تأجيرها، وأن الملاك استعادوا أضعاف ثمنها من استثمارها لعشرات السنين، وهناك من دفعوا خلوات بقيم تقترب ربع ثمن الشقة أو أكثر، وآخرون دفعوا مقدمات كبيرة، وغيرهم تحملوا تشطيبها، ولهذا علينا التعامل بعدالة وإنسانية مع تلك الحالات.