يسري فوده يكتب :أعداء أنفسهم

قبل أيام قليلة، أعلن المتحف الوطني في البوسنة والهرسك التبرع للفلسطينيين بعوائد أثر ي@ودي نادر أمام ما وصفه بحرب الإبادة التي يتعرضون لها على أيدي الإس.رIئيليين.
هذا الأثر هو مخطوط نادر لتراتيل عيد الفصح، وقد وصل إلى المتحف في القرن الرابع عشر أثناء الاضطهاد المسيحي للي@ود في إسبانيا. لم يجد الأثر ملجأً يحميه إلا أيدي المسلمين في البلقان، وبينما خُيّر الي@ود في إسبانيا بين اعتناق المسيحية أو المنفى لم يجدوا لحمايتهم إلا المسلمين فيما بقي أيامها من الأندلس.
خاطر مسلمو البوسنة بأرواحهم عبر التاريخ حمايةً لهذا المخطوط؛ ففي أثناء الحرب العالمية الثانية أخفوه بعيدًا عن النازيين في باطن جبل، وأثناء حرب البلقان خبأوه بعيدًا عن الصرب داخل خزانة في قبو.
المخطوط نفسه يحتوي تراتيل العشاء لعيد الفصح الذي يحتفل به الي@ود كل عام إحياءً لذكرى الخروج الجماعي من مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وفقًا لبعض المراجع. يشكل هذا الحدث عصبًا ضخمًا في التكوين النفسي للي@ود حتى اليوم تستطيع أن تشتم رائحته في شهادات جانب من الأسرى المصريين الذين وقعوا بين أيديهم عام 1967، وهو ما يمكن أن يساعدك على فهم جوهر ما يفعلونه الآن بغرْة.
يقول النقيب مهندس محمد حسين يونس، الذي أُسر وكتيبته ومئات آخرين على الطريق الأوسط في سيناء، إن جنديًا اقترب منه محدّقًا النظر وسأله بالعامية المصرية: “أنت من الضاهر؟” (يعني حي الظاهر بيبرس في القاهرة). رد الضابط المصري بالإيجاب مندهشًا وهو يسمع الرد: “أنا كنت معاك في المدرسة”.
كان الضابط المصري المنتمي للطبقة الوسطى المثقفة وقتها يرتدي نظارة شمسية أنيقة من طراز بيرسول. حين رآها ضابط إس.رIئيلي اغتاظ حقدًا وغلًّا فاختطفها من على عينيه وألقى بها إلى الصحراء.
شحنوهم في عربات القطار كما تُشحن الحيوانات، وفي الطريق إلى معتقل عتليت عرضوهم في شوارع بئر سبع أمام جماهير أوسعتهم شتمًا وضربًا بالحجارة وغيرها.
في المعتقل نفسه تفننوا في محاولات كسرهم وإذلالهم ونزع كرامتهم في العنابر المكدسة ودورات المياه المفتوحة وفي الملابس القذرة وفي استخدام الطعام سلاحًا خسيسًا. يجوّعونهم ثم يلقون إليهم بأقل القليل كي يتعاركوا عليه.
وبعد ذلك كله، كما يقول الضابط المصري، “ييجي محاضر أعمى يكلمنا عن العلاقة بين اللغة العربية واللغة العبرية، وأن إحنا ولاد عم وقرايب وحتى شوفوا أنتم بتقولوا واحد وإحنا بنقول أحاد، أنتم بتقولوا تمانية وإحنا بنقول شموني.. وبعدين في الآخر يعيط ويقول إحنا نفسنا نعيش في أمان، إحنا نفسنا نعيش في سلام، نفسنا نطلع من الخنادق ونعيش مع بعضينا”.
يؤذي النخاع الشوكيّ لديهم أن التاريخ يسجل أن المسلمين هم الذين حموهم وحموا آثارهم. ويملؤهم حقدًا وغلًّا تجاه مصر بوجه خاص اضطرارهم إلى الخروج منها حتى بعد مرور نحو 34 قرنًا من الزمان. وحتى مع هيمنتهم الآن على مفردات القوة الخشنة والقوة الناعمة في العالم في آنٍ معًا، سيؤلمهم إلى يوم الدين قدرتهم العجيبة على الفشل دائمًا في كسب العقول والأفئدة.
هم أعداء أنفسهم، وعلى هذه المسطرة يمكن قراءة المشهد الراهن، والمشهد التالي كذلك.