د.فيروزالولي تكتب:الخريج، الحصان، وسراب ساندهيرست!

ها قد عاد “الأمل المنتظر”! على حصان أبيض (بريطاني المنشأ)، شاهراً شهادته من ساندهيرست، واحدة من أعرق الكليات العسكرية في العالم، وكأنها صك غفران تاريخي، أو مفتاح النصر القادم، أو حتى جرعة دواء شافية لحالة البلد النفسية… والاقتصادية… والاجتماعية… بل والعقلية!
صفحات الفيسبوك انقلبت مهرجان تهليل وتطبيل، ومواقع التواصل تحولت إلى أبواق مجانية لبث صور الفتى النبيل، حفيد الزعيم، ابن القائد، ومن ورائه جوقة الحملة – حملة المباخر طبعاً – والذين اعتادوا الظهور في كل مناسبة “وراثية” تحت شعار: “افرحوا يا شعب، الوريث رجع من الغربة!”
هللوا وكبّروا، فابن القائد تخرّج! لكن لا تسألوا كيف تخرّج، ولا من أين دُفع القسط، ولا من كم طفل فقد مدرسته أو لقمة عيشه مقابل أن يحظى هذا الفتى بقميص نُشرت عليه النياشين البريطانية. فالدولة يا سادة – أو ما تبقى منها – ليست إلا حديقة خاصة، والمال العام هو مجرد محفظة عائلية!
هل شاهدتم صورته؟ بابتسامة عريضة، يقف بين ضباط الكلية وكأن تشرشل نفسه وضع له ريشة على الكتف. العجيب أن الجوقة تروج وكأن خروجه من ساندهيرست سيدخل اليمن إلى عصر الازدهار، وستصبح مديريات البلاد “مقاطعات ملكية”، يتخرّج فيها أبناء القرى من أكسفورد والـ MIT بمجرد شمّ رائحة “الوريث”.
ونسأل – لا فضّ فوك – كم من أبناء هذا الشعب المنهوب المنكوب تمكّن من الحصول على مقعد دراسي ولو في جامعة إقليمية؟ كم من طفل يمني لا يزال يحلم بكشكول وقلم، بينما الحفاة يسيرون إلى المدارس فوق الحصى، في الوقت الذي يُفرش فيه طريق “نجل الزعيم” بالبساط الأحمر من أبو ظبي إلى لندن؟
يا سادة، المسألة ليست غيرة، ولا حقد طبقي. بل هي فقط دهشة من هذا الكم من “قصر الذاكرة”. ألم نرَ قبل سنوات قليلة خالد علي عبدالله صالح يتخرج من نفس الكلية، في عز سلطة أبيه، ثم يُعيَّن قائداً للواء الأول مشاة جبلي، قبل أن يُهدم الجبل فوق رؤوس الجميع؟! وكأنكم يا بوزيد… ما غزيتوش!
نفس المسرحية، نفس السيناريو، فقط الممثلون الجدد شباب، و”الفلتر” أفضل!
أما من الناحية النفسية، فنحن أمام ما يمكن أن يُصنّف تحت بند “الهروب الجماعي نحو الوهم”. فشعب مرهق، مسحوق، جائع، يبحث عن أي رمز يعلّق عليه آماله، حتى لو كان هذا الرمز نفسه سبب المصيبة، أو حفيده!
الوريث الجديد، الوريث القديم، الوريث القادم… لا شيء يتغير. سوى حجم اللصوصية، وعمق اليأس، ومستوى “الدهان السياسي” المغطى بعبارات مثل: “الشرعية”، و”الخبرة”، و”المكانة الدولية”، و”صورة من أمام بوابة الكلية”.
أما الشعب؟ فله الله… والميمز.
ختاماً:
فرحوا يا قوم، فإن ابن الزعيم عاد من بريطانيا!
فرحوا، لكن لا تنسوا أن هناك ملايين من أبناء جلدتكم لا يجدون أقساط المدارس، ولا عشاء الليلة، ولا حتى طريقاً آمناً لحياتهم.
وفي النهاية، كما قال أحدهم:
“كلهم بيتخرجوا من ساندهيرست… والشعب بيتخرج من الحياة.”